حسين خوجلي يكتب: عزيزتي الجمعة تحيةً واحتراما (ليلٌ .. شوقٌ.. وصفاء)

“المختصر المفيد”

ومن الخطب المختصرة والمفيدة والمفسرة لهذه الدنيا العابرة خطبة ابراهيم بن عبدالله بن الحسن رضي الله عنه حيث قال: (أيها الناس كل كلام في غير ذكر فهو لغو، وكل صمت في غير فكر فهو سهو، والدنيا حلم، والآخرة يقظة، والموت متوسط بينهما، ونحن في اضغاث احلام)

“السيف أصدق أنباءً من الكتب”

ومن الخطب التي استخدم فيها الرمز والايماءة خطبة يزيد بن المقنع الذي تحدث وأشار بموهبة درامية موحية. فقد جاء في ايام العرب أن الناس اجتمعوا عند معاوية وقام الخطباء لبيعة يزيد، وأظهر قوم الكراهة، فقام رجل من الخطباء من عذرة يقال له يزيد بن المقنع فاخترط من سيفه شبراً، ثم قال: (أمير المؤمنين هذا وأشار إلى معاوية، ثم قال: فإن يهلك فهذا، وأشار إلى يزيد، ثم قال: فمن أبى فهذا، وأشار إلى سيفه).
فقال له معاوية: أنت سيد الخطباء

“ومن حظهم أنه تنسك”

ومن أشهر العارفين باسرار الفصاحة والشعر ورواته وفنونه خلف الأحمر. ومما كان يحكونه في براعته أنه كان يقلد كبار الشعراء الجاهليين فلا تكاد تميز شعرهم من منحوله ومما ذكر في هذا الباب: أنه تنسك فكان يختم القرآن كل يوم وليلة، وبذل له بعض الملوك مالاً جزيلاً، على أن يتكلم في بيت شعر شكوا فيه فأبى

“جماعة الجهل النشط”

اوقعني حظي العاثر أن استمع لسياسي شاب من ادعياء هذه الأيام يتحدث امام جمهرة من الناس، فهالني أنه لا يملك صنعة البيان ولا علم السياسة ورغم فقره في الأمرين فقد صار وزيراً .
والمسكين لا يعلم أن كل أحدٍ أراد فناً وجب عليه أن يعكُف عليه ويتمهر وإلا خارت الأفكار وارتفعت الأسعار.
وقد استوقفني اجتهاد أبو نواس ليبلغ مقام الشعر حين قال: (ما قلت الشعر حتى رويت لستين امرأة منهن الخنساء وليلى فما ظنك بالرجال). وصار هذا وزيراً ولم يقرأ لڤولتير ولا ميكاڤيلي ولا ابن خلدون ولا للكواكبي ولا الترابي ولا الغنوشي

“رفعت الاقلام وجفت الصحف”

إني لأعجب أن يطالب بعض ادعياء العلمانية أن نحجب عن أطفالنا القرآن وأقوال المصطفى الراشدة، وهم لا يعلمون أن صبية هذه الأمة الراشدة قد روت الكثير من الاحاديث الصحيحة التي اصبحت لاحقا نبراسا وبرنامجا التغيير .
ومن احاديث اليقين الحديث الذي رواه الصبي عبدالله بن عباس أنذاك.
قال كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غلام إني أعلمك كلمات إحفظ الله يحفظك، إحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فسأل الله، واذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن تنفعك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن تضرك بشئ لم يضروك إلا بشئ قد كتبه الله عليك، ورفعت الاقلام وجفت الصحف)

“وللعز مرافعة”

رغم شدة الفاقة وعذاب الحرمان والفقر فإن عز الصبر يجعل للحرمان حلاوة، وللمسغبة نشوةٌ وفرح ومما يروى في هذا الباب أن داود الطائي اصابته فاقة كبيرة، فجاءه حماد بن بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركة أبيه.
وقال: هي من مال رجل ما أقدّمُ عليه أحدا في زهده وورعه وطيب كسبه.
فقال: لو كنت أقبل من أحد شيئاً لقبلتها تعظيما للميت، وإكراما للحي، ولكني أحب أن أعيش في عز القناعة.

“من فصيح المسيح”

كان صديقنا القبطي القاص بكلية الاداب يقول لي هامساً: إن أجمل ما قرأته عن السيدة البتول وعيسى كلمة الله ما رواه اهل الاسلام في القران والسنة والمأثورات من أحاديث الصالحين، ويدلل على ما يقول بقول المسيح الذي ورد في كتب السير:( اتخذوا البيوت منازل، والمساجد مساكن، وكلوا من بقل البرية، واشربوا من الماء القراح، وأخرجوا من الدنيا بسلام).
وقد وجدته يوما طبعها على (تيشيرت) كان يفك ازراره ليقرأها أصدقاءه الخُلص. ويا لها من كلمات

“الصوفية الجد جد”

وهذه حكاية كنداكة صالحة أهدت بفعلها الوضئ توبةً لأحد اصفياء النخب فأحالته من دنيا الغربة الى فسيح القرب حيث تقول الرواية : إن عبدالله بن مرزوق كان نديم أحد الأمراء العباسيين. فسكر يوما ففاتته الصلاة، فجاءته جارية له بجمرة فوضعتها على رجله فانتبه مذعورا.
فقالت له: إذا لم تصبر على نار الدنيا، فكيف تصبر على نار الآخرة، فقام فصلى الصلوات وتصدق بما يملكه. وذهب يبيع البقل فدخل عليه فضيل وابن عيينه فاذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شئ، فقالا له: انه لم يدع أحد شيئا لله إلا عوضه الله منه بديلا، فما عوضك عما تركت له، قال: الرضا بما أنا فيه

“الخمس المهلكات”

عزيزي القارئ اياك والحسد فهو داءٌ يجب أن تحرص على محاربته، وشقاءٌ عليك بمطاردته والتربص به حتى لا يقبض على تلابيب نفسك، فيفسد عليك دنياك واخرتك ومن أصدق ما قرأته حول الحسد قول الفقيه أبو الليث السمرقندي (يصل الى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود:
١/ أولهما غمٌ لا ينقطع
٢/ الثانية مصيبة لا يؤجر عليها
٣/ الثالثة مذمة لا يحمد عليها
٤/ الرابعة سخط الرب
٥/ الخامسة يُغلق عنه باب التوفيق
والعياذ بالله من هذه الخمس المهلكات

“ضد الزهايمر”

ومما يلحظه الخاصة أن الحساد قصيري العمر (ممحوقي الفعل والسيرة، ومن لطائف ما حكاه الأصمعي. أنه رأى اعرابيا بلغ عمره مائة وعشرين سنة وكان في تمام صحته وعقله
فقال له: ما أطول عمرك
فقال: تركت الحسد فبقيت

“وللعطر افتضاح”

علموا أبناءكم جمال الحديث والمنطق فإنه قديما كان من ابواب الثراء والأمارة، واصبح الان من أبواب الدبلوماسية والاستوزار والاستثمار. فالكلمة البليغة قد تساوي قرباً ورفعة ومال. ومما قرأته في ذلك قول سلمة لابن عباس وعنده جعفر بن سليمان: ما شمت أنفي من ريح مسك شممته من الناس إلا ريح كفك أطيبُ. فأمر له بألف دينار ومائة مثقال مسك ومائة مثقال عنبر.

“والسوداني يقوى بالقرض..!!”

حكى لي أحد الأصدقاء أنه أدرك بأن الفقر قد ضرب بلادنا وانسانها من النساء والرجال بمقياس لحظه ووثقه حين دخل عليه ألف رجل وألف امرأة بمقتضى مهنته فلم يشتم فيهم رائحة عطر قط فقلت ضاحكا ولا رائحة خبز، ورغم ذلك فإني أذكر العشابين من أهل بلادي بمصدر العطور من باب التنظير انتظارا لميسرة.
فقد قال العارف الحسن بن سهل: (أمهات الريحاين تقوى بامهات الطيب، فالنرجس يقوى بالورد، والورد يقوى بالمسك، والبنفسج يقوى بالعنبر والريحان يقوى بالكافور، والنسرين يقوى بالعود)