حسين خوجلي يكتب: الرسم بالكلمات

١/ يبدو أن أهلنا الرزيقات والفلاتة قد حسدوا الشعب السوداني على فواجعه الصغيرة، فقرروا إدهاشنا بفجيعة كبرى فأهرقوا الدم في رمضان، وضخوا بينهم عطر منشم متناسين فضيلة الجوار والمصاهرة والعقيدة والأمل والألم الواحد. يا عقلاء الرزيقات والفلاتة إن لم تترفقوا بأنفسكم ونسائكم واطفالكم فترفقوا بنا وببكاء الفيتوري (رفقا بالخيول المتعبة)

٢/ صحيح أن كورونا تصطادنا بالخوف والقليل من الضحايا، ولكن أخطر ما تفعله أن هنالك المئات من الضحايا الذين يمضون في صمت من أصحاب الأمراض المزمنة الذين لا يجدون رعاية ولا مستشفى ولا طبيب. عشرات من المستشفيات في الخرطوم والمدن الولائية تغلق أبوابها مثل ما تغلق الكناتين. يا سيادة الرئيس إن القطاع الطبي على حافة الانهيار فأدركوا الانسان السوداني أو توسعوا في تخصيص مقابر جديدة.

٣/ فى كل يوم ترتفع الأسعار لدرجة الجنون وفي كل صباح تهبط قيمة الانسان السوداني لدرجة تفوق الوصف والخيال، ويبدو أن جمهورية قحط الممتدة من الخرطوم (تلاتة) حتى الملازمين شمالا ومن شارع الستين شرقا حتى المقرن غربا لا تأبه بالخرطوم المجاورة ولا السودان الكبير، إنهم مازالوا يعتقدون في الهتافات والشعارات والكتابات. بصراحة هذه الحكومة تستعد لامتحانات المساق (الأدبي) والعالم كله يستعد لامتحانات التخصص العلمي.

٤/ ‎الشعب السوداني يقيس اخلاق الرجال باحترام المرأة، وعلى مدى المشهد المراقب محليا وعالميا نرى أن فرسان الحوبة يتجاوزون هذا الاحترام باعتقال حرم رئيسهم وعرضه لأشهر في زنزانة بائسة لا تليق بمتهم، وهم للأسف لا يملكون شجاعة اطلاق سراحها بكفالة او اجراءات تفضي بها للمحكمة، يظن المساكين أنهم باعتقالها يزلون رئيسا ظل جيشه يحارب ثلاثين عاما دون أن ينكسر يوما أو يرفع الراية البيضاء رغم الخيانة والحصار العالمي اللئيم. وكما قال الكاتب الراحل عادل حسين (هذه الدنيا ليس فيها إلا واشنطون والخرطوم) ومن المخازي أنهم احتجزوا الدكتورة أميرة الفاضل أيقونة الشعب السوداني في المنظمات الدولية والأفريقية خدعوها بالدعوة السيادية واحتجزوها بالمطار حتى تدخل الاتحاد الافريقي وفك أسرها في أكبر فضيحة دبلوماسية معاصرة. وقبلها حاصروا بيت الداعية الدكتورة سعاد الفاتح في العباسية بالهتافات البذيئة متناسين أنها شرفت الشعب السوداني في كل المنابر العالمية، وتخرج على يديها المئات من الكفاءات النسائية العربية وشرفت السودانيين حين حلت الحزب الشيوعي بصيحة صادقة ثأرا لسمعة المصطفى صلى الله عليه وسلم. علينا أن نعي جيدا أن التواضع الثوري قاد تونس إلى الديمقراطية وان الوضاعة الثورية ستقود السودان كالأعمى للوصاية الدولية (ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم)

٥/ انها مجرد همسة قادحة وقرصة لاذعة على أذن اجتماع مجلس الوزراء القادم، تذكروا أيها التجريديين الحالمين أنكم والعام يمضي سراعا لم تضعوا حتى الآن حجر أساس واحد ولو لروضة تحمل اسم شهيد، بصراحة هذه حقبة (بلا راس ولا كراس ولا حجر اساس).

٦/ لم نجد ما نسيئ به لسمعة وزير دفاعنا الذي دفن بيديه مئات الشهداء، فاضطررنا أن نضيف لأملاكه المتواضعة قطع زائفة لنبرر لكل الجيوش العربية أن قائدنا العسكري الأول كان متواضعا حتى في تجاوزاته. إن الشيوعيين والبعثيين لا يسيئون لوزير الدفاع إنهم يسيئون للعسكرية السودانية، بحقد قديم أبت أن تمحوه الليالي والأيام

٧/ بعد قليل سنكتشف أن الكتابة ليس لها معنى وأن الملتقيات ليس لها معنى وان المجالس ليس لها معنى وإن أفصح ما نقول هو الصمت المطبق.

وصدق العارف الشعبي حين قال:

‎إتبعنا المجالس ودرنو قدُرنا

وبقينا نمازح البسوانا والمو قدُرنا

‎وكتين بالدراهم نشتريهو كدرنا

‎مافيش فايدة نشحن بالغبينة صدُرنا

٨/ ستظل أبيي نار الفتنة التي تحرق أيدي الجنوبيين والشماليين ليل نهار وتعلن على عناوين صحف اليأس الوطني (إن الموت سيظل سيد الموقف) إن الغرب لم يبني يوما جسدا لاتفاقية الا زرع فيها (كعب اخيل) فهل يتعالى أهل الجنوب وأهل الشمال على المؤامرة أم يظلون يرزحون تحت قيد الموت والدم والدموع؟ وما أحداث الميرم الأخيرة ببعيد والقادم ابشع.

٩/ دعوا قبل أيام لاجتماع بالقصر الجمهورى لمناقشة المنظومة الإعلامية القادمة وخطتها الانتقالية القادمة، وستثنوا أمدرمان، وتستمر الدعوة المقدسة بأهمية دولة اليسار لا دولة اليسر وتكريس سطوة سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية الشيوعية الحاكمة ويتعالى هتافهم (كل السلطة في يد الجبهة) إلى أن يداهمهم عما قريب الهتاف المضاد (كل الجبهة فى يد السلطة) .    (إياك أعني فاسمعي يا جارة)

١٠/ أن يدعو الأخ الصحفي مرتضى الغالى في مقالة منشورة بمصادرة صحف وقنوات وإذاعات المعارضين فهذا أمر مفهوم لزميل كان أفقه الأقصى في الحرية النذر اليسير من احتمال الآخر فى مايو وجريدة الأيام. نعم كل هذا مفهوم ولكن أن يتجرأ الأخ مرتضى ويزايد لدرجة المطالبة بمصادرة الهواتف الشخصية الذكية للمعارضين، فهذا لعمري خطيئة لم يسبقه عليها أحد أنا شخصيا أعرف الأخ مرتضى الغالي وأعلم أن فيه عقلانية ورزانة والكثير من التهذيب، فأرجو من كل قلبي أن أرى تكذيبا على الأسافير يُعلن فيه بأنه مقالٌ مدسوس أو يسجل اعترافا واعتزارا بمقال جديد في حق شرف المهنة والزملاء تحت عنوان (لكم العتبى حتى ترضوا )

١١/ في سيرة المفكر والكاتب خالد محمد خالد حكاية يرويها المجتمع الثقافي والفكري بالقاهرة تقول: بأن خالد محمد خالد كان من أكثر الاقلام قسوة على الإخوان المسلمين حينما  كانوا يعملون في العلن، وعندما أعلن عبد الناصر الحرب عليهم وتدلى الشرفاء على المشانق (عبد القادرعودة الكاتب الإسلامي الشهير، ويوسف طلعت أمير كتائب القنال، وسيد قطب صاحب الظلال، وبقية القافلة المباركة)، أرسل عبد الناصر مجموعة من الكتاب الموالين لخالد محمد خالد في مقدمتهم الطحاوي، وابلغوهوا أن عبد الناصر يرغب في أن يقود بقلمه الحملة ضد الاخوان، وكان يومها لايملك ايجار الشقة التي يسكن فيها التي يبلغ إيجارها الشهري حينها (ثلاثة جنيهات) مصرية سلموه ظرفا فيه ألف جنية وكانت حينها ثروة. قذفها في وجوههم دون تردد وقال في كبرياء العلماء: قولوا لسيدكم إن فكر ورجولة خالد محمد خالد لا تسمح له الإجهاز على جريح وحقا كان الإخوان يومها جرحى. فعاد الوفد خائباً بدريهماته، وما أحوجنا في هذا الزمان البائس لمثل هذه الأخلاق الماسية.

١٢/ قديما حينما كنا نتلصص على اللقاءات السرية بين واشنطن وتل أبيب كان عنوان المقال (لا تكذبي إني رأيتكما معا) ترى ماذا تقترحون عنوانا للمقال ونحن نرى القبل والأحضان على رؤوس الأشهاد.

‎حسين خوجلي