حسين خوجلي يكتب: الأسلوب الأنيس في مخاطبة الوزير عمر مانيس

من التقاليد الراسخة في تاريخ الخدمة العامة تعيين موظف علاقات عامة واعلام يمثل بخبرته وثقافته وقلمه السيال لساناً وسيفا، في الدفاع عن وزارته أو مصلحته وكان قراء الصحافة السودانية يحرصون على قراءة ردود هؤلاء وتداولها وكانت في كثير من الاحيان تبز بمهنيتها ونصاعة عبارتها الكثير من الاقلام الصحفية المحترفة، بل أن بعضهم انتقل من العمل الوظيفي الحكومي فصاروا نجوما في سماء الصحافة والاعلام وللاسف مات هذا التقليد الرصين بموت الكفاءات وهجرة بعضها.
أما السبب الحقيقي في غياب هذا الأدب هو أن بعض القيادات السياسية والوزراء وقادة الخدمة العامة أصبحوا غير حريصين على سمعتهم الخاصة ولا سمعة مؤسساتهم العامة متكئين على مقولة غير دقيقة مفادها أن هذا الشعب لا يقرأ وإن اطلع فإنه غالبا ما ينسى.
بالأمس القريب تداولت مواقع التواصل الاجتماعي بيان للدكتور شريف محمد شريف مدير هيئة المواصفات والمقاييس الذي اقاله السيد رئيس الوزراء بتوصية من الدكتور عمر مانيس وزير شؤون مجلس الوزراء، وقد أورد الرجل باختصار بأنه قرأ خبر اقالته في الميديا، وبعد أن وصله خطاب الإقالة تمت عملية التسليم والتسلم لخلفه بلهفة. وفي يوم حظر وحجر وبعد عشرة دقائق فقط من مغادرته أُدخل خطاب على جناح السرعة لخلفه للتصديق بدخول حوالي ٦٥ طنا من الملابس المستعملة لصالح منظمة طوعية، التي ظل المدير العام السابق يرفض تمريرها لأن هنالك مادة في قانون الهيئة تمنع دخول الملابس المستعملة، ورفض باصرار كل رجاءات الموظفين بمجلس الوزراء ووزير الصحة لادخال الشحنة.
وقد تملكت الرجل الدهشة حسب إفادته لاكتشافه أن الوزير يقف من وراء هذا الضغط الاداري لتمرير (الشحنة القذرة) وهنالك حزمة من التفاصيل المحزنة يمكن الرجوع إليها في بيان دكتور شريف الذي ملأ الدنيا وشغل الناس .
ومما استوقفني في الحادثة والاقالة والبيان والصمت المريب جملة من المؤشرات:-

اولاً: تعجبت جدا لسلوك رئيس الوزراء في اقالة قادة العمل التنفيذي عبر حساباته في مواقع التواصل الاجتماعي وتداولها دون أن يصل القرار لمن يهمه الأمر، ودون أن يسترضي هذه القيادات في مسامحة واجبه وعتاب قبل المغادرة. وأصدق الأمثلة على ذلك إقالة والي الخرطوم وهو جنرال محترم وفي منصب خطير حيث لم تسعف رئيس الوزراء مهنيته يومها ولا فن الذوق والاتيكيت خاصة وأنه أفنى زهرة شبابه وسط الخواجات والمنظمات ولهم في هذا الفن باع طويل.
ثانياً: عجبت لتدخل دكتور مانيس وتجاوزه القانون بإقالته لزميل وقور دون مقابلة أو محاسبة لعالم ومتخصص وصاحب كفاءة.

ثالثا: وعجبت ايضا للرجل حامل الدكتوراة والدبلوماسي (ورئيس الوزراء إلا) كيف سولت له نفسه بالتوسط لإدخال ملابس مستعملة لأبناء شعبه؟ وهو يعلم أننا أصحاب قطن طويل التيلة كان لعهد قريب يستر عورة الدنيا. وقد تكون إحدى ألاعيب التجار الذين يتوسلون بالمنظمات لادخال ملابس جديدة يزعمون أنها مستعملة للهروب من فاتورة الجمارك التي تكفي وحدها للثراء العريض.

رابعاً: حزنت للمرة الثالثة لأن بيان دكتور شريف الذي غطى كل المواقع لأيام لم يحرك ساكنا لدى مجلس الوزراء أو ورئيسه أو وزيره أو الخلية السياسية لقحت، وقد اصابهم البيان الصريح والمتحدي في مقتل، ولكن يبدو أن عادة (التضحية بالسمعة) قد اصبحت السمة الغالبة في الأداء الحكومي هذه الأيام. حيث جعلت مجلس الوزراء يستملح الصمت الخائب باعتبار أن الناس لا يقرأون وإن طالعوا فانهم ينسون. أو أنهم سربوا لدجاجهم الإلكتروني مهمة التغطية عليها بعبارة (إنه كوز وأن ادعاءه محض تلفيق) العبارة الشيطانية المتداولة لاخفاء كل الخطايا ( الفاخرة) والفادحة!.

عزيزي دكتور مانيس أن هذا العرضحال ليس من أجل دكتور شريف فإني لا أعرفه شخصيا ولم أقابله في حياتي، ولا من أجلك ايضا لأنني لا أعرفك إلا في الشان العام، إنما هو
دفاع عن دولة الشفافية والقانون التي نزعم وتزعمون ونجهد انفسنا في بنائها.

ولتكن رسالتنا الأخيرة الصارخة في بريد السيد رئيس الوزراء دكتور حمدوك هي:
– إن وزيرك الأول متهم بإقالة كفاءة سودانية التزمت بالقانون
– وإنه متهم بتمرير بضاعة فاسدة لأمر يعلمه هو . وتبقى الخيارات ضئيلة جدا أمام الرأي العام إما أن يتقدم الوزير باستقالته فورا أو يصدر بيانا ضافيا بالتوضيح عبر كل الوسائط أو يتقدم بشكوى طليقة ضد مدير هيئة المواصفات والمقاييس السابق لإبراء الزمة أو تُكفن الحقيقة في خرقة (دبلان مستعملة) وتُوارى الثرى بأحمد شرفي حيث مثواها الأخير.