حسين خوجلي يكتب: من يجد القحاتة فليتصل على هذا الرقم ٢٢-٧-١٩٧٢

بعد ثورة الطلاب في شعبان عام 1973 كنت رئيساً لاتحاد مدرسة أمدرمان الأهلية الثانوية ورئيساً لاتحاد الثانويات، وتم فصلي ومعي اللجنة التنفيذية بالاتحاد، وقد فُجعنا حين وجدنا جهاز الأمن قد وزع أسمائنا على كل المدارس بما فيها المسائية واتحاد المعلمين، ومنعنا من الالتحاق بها البتة (كما يقول أولاد الضي).
ونُقلتُ بعدها سجينا بكوبر بعد انقلاب الشهيد حسن حسين، فاضطررت أن أعمل مع الوالد في محلاته للأقمشة في بحرى وأمدرمان، وامتحنا الجامعة من دكاكينهم كما يقول الزملاء تندرا.
وقد اكتشفت أن سوق أمدرمان الذي راق لي البقاء فيه، كان يعج بالعلماء والأدباء والشعراء والمثقفين وأهل الحكمة والظرف والكياسة، واكتشفت في أزقته الكثير من الحذاق الذين صرت لهم تلميذاً فكانوا جامعة اذكى وامضى من الجامعة. وقد اعددت مسودة كتاب بعنوان (سوق أمدرمان) أرجو أن أجد من فضول الأوقات ما أكمل به هذا السِّفر الحبيب إلى نفسي لأوثق فيه لكثير من الرجال والمواقف والتجارب والذكريات.
ومن الذين تعرفت عليهم في السوق مجموعة السبع وهم حزمة من الأصدقاء يعملون في السمسرة وتسهيل الصفقات والتعقيب وكانوا من خريجي الثانويات القديمة، وقد امتازوا بالثقافة والكرم والسخرية والجدعنة، كانوا حجة في الأدب الشعبي والغناء والحكايات.
سعدت البارحة حين اتصل بي أحدهم بعد غياب طويل وقال لي بطريقته الممازحة القارصة: (نحن يا أستاذ خضنا كل المظاهرات السرية والجهرية ضد الانقاذ واستعملنا كل حيل أولاد أمدرمان، وجهجهنا (باكات الكيزان ) وأنت يا أستاذ طبعا عارف النتيجة، لكننا بعد عام من المعاناة والأكاذيب وتحكم الأقليات وانعدام الأمل، تواثقت مجموعة السبع بقسم عظيم على اسقاط هذه العصابة المتحكمة فينا بدون تفويض، بس عندنا مشكلة واحدة يا أستاذ عايزنك تساعدنا فيها)
فقلت له: حبا وكرامة.
مشكلتنا يا أستاذ ماعارفين قحت دي نلقاها وين؟ (وانفجرنا في فاصل من الضحك المتواصل)
وقلت له: لا أنا لا هم يعرفون أين هم، ولكن قد سجلت هاتفك وسوف ابعث عيوننا في المدينة عن مخابئ هؤلاء الأشباح، وأرجو أن يعيننا حظر التجول المريب الذي يبدأ بالسبت على أداء هذه المهمة التاريخية. وقل لمجموعة السبع الأمدرمانية مبشرا أنه في القريب العاجل سوف تمتلئ ساحات الخرطوم بالنبيلات والنبلاء الذين سيهطلون غيثاً على الساحات وسيملأون العاصمة والولايات عدلا بعد أن مُلئت جورا، ويعلنون قيام الجبهة الوطنية العريضة التي لا تستثني أحدا
ويطلقون حكومة الكفاءات الوطنية المستقلة ويشدون من أزر الجيش ويملأون الثغور قمحا ووعدا وسواعد وذخيرة. ويطل من وسط الملايين فتىً وسيما قسيما دون الأربعين أسمر الجبهة كالصحوة فى النور المذابي. ويأتي وزراء المحاصصة ودعاة الفتنة من اليساريين ومن لف لفهم مطأطئي الرؤوس أمام المنصة بقلوب هواء وبانجازات صفرية في الاقتصاد والسلام والطعام والكلام والصحة والتعليم والأمان المجتمعي تكسوهم غبرة المؤامرة وقيود العمالة
فيقول لهم قائد الركب بحكمة الشمال وشجاعة الشرق واعتدال الوسط وكبرياء الغرب الكبير: ترى ماذا تظنوني فاعل بكم؟
فيقول كبيرهم الذي أفنى زهرة شبابه في التنكر لعقيدته وشعبه كبيرهم الذي علمهم السحر يقولها بصوت كسير: أخ كريم وإبن أخٍ كريم
فيجيبه فتى التغيير وقائد المسيرة: اذهبوا فأنتم الطلقاء
ويملأ هتاف الملايين الأفق مبشرا بفجر جديد هذا الصوت صوت الشعب وهذا الشعب شعبٌ مسلم.