حسين خوجلي يكتب: عزيزتي الجمعة تحيةً واحتراما (عاجل: قبل التشكيل الوزاري الجديد)

“صدق أهل دارفور حين قالوا: مُلُك للساق ولا مال للخناق”

قرأت كلاماً يسبر أغوار خُيلاء المُلك وروحه أعظم مما قاله الجاحظ، وهو يصف الفرح بالملك والجاه والسلطان. حيث يقول: ليس شيء ألذ، ولا أسر من عز الأمر والنهي، ومن الظفر بالأعداء، ومن تقليد المِّنن أعناق الرجال. لأن هذه الأمور تصيب الروح، وحظ الذهن، وقسمة النفس.

“دعوة للنقاش”

من الموضوعات التي تصلحُ للنقاش قول الحجاج: سلطان تخافه الرعية خير من سلطان يخافها. سيكون النقاش مفيداً اذا تم تعريفٌ راشد لكلمة خوف هنا.

“أساس وحارس”

من الحكم التي تُنسب لأردشير ملك الفرس هو في ربطه الرائع ما بين العقيدة والملك وقد قال يوما لإبنه: يا بُني المُلكُ والدين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالدين أس، والمُلك حارس، ومن لم يكن له أس فمهدوم، ومن لم يكن له حارس فضائع. ومن ابتلاءات هذا الزمان علينا أن كُتب علينا تسلط قومٍ لا دنيا لهم ولا دين.

“وصايا لمستشارية رئيس الوزراء القادم”

كان استاذنا في الأدب واللغة حينما يقرأ علينا هذه المأثورة يعلق قائلاً: إني والله لا ادري من هو العالم؟ العباس عم رسول الله أم ابنه عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، ثم يتلو المأثور في شغف.
فقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: قال لي أبي: يا بني إني أرى أمير المؤمنين يستخليك، ويستشيرك ويقدمك على الأكابر من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. وإني أوصيك بخلال ثلاث: لا تفشين له سراً، ولا تجرين عليه كذباً، ولا تغتابن عنده أحداً.

“الحالمون”

للحالمين بالاستوزار والسفارات وطمع النيابة فإننا نهدي النصيحة التالية لمسلم بن عمر لمن خدم السلطان: لا تغتر بالسلطان إذا أدناك، ولا تتغير منه إذا أقصاك.

“هذه بتلك”

من أدبيات المران على الانشاء والاختيار في الادب ما كنا نسميه (هذه بتلك) نقصد بها المتعة والاستذكار والفائدة ومنها حكاية بعض الملوك مع الحكيم. روي أن بعض الملوك استصحب حكيما فقال له: أصحبك على ثلاث خصال: قال: وما هن؟ قال: لا تهتك لي ستراً، ولا تشتم لي عرضاً، ولا تقبل في قول قائل حتى تستشيرني. قال: هذا لك، فما ذا لي عليك؟ قال: لا أفشي لك سراً، ولا أدخر عنك نصيحة، ولا أوثر عليك احدا قال: نعم الصاحب للمستصحب أنت

“وأُلقي به من شاهق”

ومن ألطف دراسات الجدوى في صحبة الأمراء والملوك والسلاطين، الدراسة التي اعدها العتابي باختصار فكان الرجل صاحب ظرف وادب وعلم ورغم ذلك نأى بنفسه عن صحبة الملوك فقد سألوه يوماً لم لا تصحب السلطان على ما فيك من الأدب؟ قال: لأني رأيته يعطي عشرة آلاف في غير شيء، ويرمي من السور في غير شيء، ولا أدري أي الرجلين أكون.

“إياك وإياك”

ومن الوصايا الناصعات للخليفة عمر بن عبد العزيز الورع العادل العالم حفيد الفاروق قوله ونصحه الذي يحفظه الكثير من الثقاة. أن قال لميمون بن مهران احفظ عني أربعاً:
لا تصحبن السلطان، وإن أمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر، ولا تخلون بامرأة وإن أقرأتها القرآن، ولا تصِل من قطع رحِمه فإنه لك أقطع، ولا تتكلم بكلام اليوم تعتذر منه غداً، وكم رأينا وبلغنا ممن صحب السلطان من أهل الفضل والعقل، والعلم والدين ليصلحه ففسد هو به فكان كما قيل:

عدوي البليدِ إلى الجليدِ سريعةٌ
والجمرُ يُوضعُ في الرمادِ فيخمدُ

“قبل اعلان التشكيل الوزاري الجديد”

ولأن التشكيل الوزاري على الأبواب فإننا لم نجد نصيحة امضى وأصلح من اختيار رئيس وزراء بمعايير صارمة ووزراء بمعاييرٍ راجحة.
ومن أشهر ما تداوله العرب في هذا الشأن قول الحكيم: نِعم الظهير الوزير، وأول ما يظهر نبل السلطان، وقوة تمييزه، وجودة عقله، في انتخاب الوزراء، واستنقاء الجلساء، ومحادثة العقلاء، فهذه ثلاث خلال تدلك على كماله، وبهذه الخلال يجمل في الخلق ذكره، وترسخ في النفوس عظمته، والمرء موسوم بقرينه.

“الهروب الكبير”

ومن الابيات المحذرة من الاقتراب من الملوك لولعهم بأدنى الدنيا وبهروبهم من أقصى الدين قول ابن المبارك:

أرى الملوكَ بأدنى الدينِ قد قنعوا
ولا أراهم رضوا في العيش بالدونِ
فاستغن بالدين عن دنيا الملوك
كما استغنى الملوكُ بدنياهم عن الدينِ

“المقتولة ما بتسمع الصايحة”

ومما استوقفني في شعر النصيحة أن الكثير من الشعراء العرب قد كتبوا قريضا يحذرون به بني مروان من سقوط دولة بني أمية الفتية والتي غفلوا عنها بالتراخي عن اشراف الامور في آخر أيامهم فانهارت. واشهر تلك الأبيات:
أرى تحت الرماد وميض جمر
ويوشك أن يكون له ضرام
فإن النار بالعودين تُذكى
وإن الحرب مبدؤها كلام
فإن لم يطفها عقلاء قوم
يكون وقودها جثث وهام
فقلت من التعجب ليت شعري
أأيقاظ أمية أم نيام
فإن يقظت فذاك بقاءُ مُلكٍ
وإن رقدت فاني لا أُلام
فإن يك أصبحوا وثووا نياماً
فقل قوموا فقد حان القيام
ففرّي عن رحالك ثم قولي
على الإسلام والعرب السلام

ولكن أبلغ منها قول الشاعر:
إذا ما قطعتم ليلكم بمُدامكم
وأفنيتمو أيامكم بمنام
فمن ذا الذي يغشاكم في ملمة
ومن ذا الذي يغشاكم بسلام
رضيتم من الدنيا بأيسر بُلغةٍ
بمدح كرامٍ أو بذم لئامِ