حسين خوجلي يكتب : تاريخنا ما بين الفتح والابتلاء والعقاب

كانت الجماهير تتوقع على عتبات الاستقلال بعد طرد الاستعمار الغاصب أن تسترد شرف الشهداء في كرري وأم درمان وأم دبيكرات باقامة دولة الهوية وترسيخ العقيدة وإكمال مشروع التعمير بعد التحرير، ولكننا للأسف عبر عجزنا التاريخي فقدنا شعار البشارة: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ).

‎وفي عهد الإنقاذ ارتفعت شعارات الهوية وتدافعت قوافل الشهداء للدفاع عن العقيدة والوطن، وبالرغم من المحافظة على شعارات الاسلام إلا أن عجز الحكومات في بلوغ كمالات الإحسان والتجويد أدخلنا في وادي الابتلاء، صحيح أن المقارنة بين نسبية الآداء واطلاق بعض الشعارات كان متسعاً وصحيح أن المقاطعة الغربية الشاملة سياسياً واقتصاديا وعسكريا كانت قاسية الا ان تقييم الشعب للمرحلة كان منصفا بأنها:
‎كانت (غير ميسورة ولكنها مستورة)، وكان شعار مرحلة الابتلاء: (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين).

‎واما بعد التغيير في ديسمبر كان حلم الجماهير إيقاظ العقول والسواعد والحقول باطلاق أشواق الملايين صوب التنمية والكفاية والعدل بعد أن بشرنا سارقو الثورة من الأقلية اليسارية والانبياء الكذبة بانفتاح العالم وانهمار الاستثمارات ورفع العقوبات فكان بديلا لذلك الحصاد المضحك المبكي أن شعب السودان المعدم الفقير اضطر أن يدفع مكافآت وتعويضات للنظام الأمريكي في جرائم متخيلة لم يرتكبها الشعب ولا النظام وكان الناتج المر ارتفاع الدولار إلى خمسة أضعاف وصار (بعض الخوف كل الخوف) وصار نقص الثمرات كل الجوع وصار نقص الأنفس كل الحروب واقتتال ودم مسفوح وصحراء من الكراهية، وكيف لايتنزل ذلك وقد جعلنا مفتي المرحلة القراي الجمهوري الذي يسقط نصف القرآن ويعتبر أن الخالق هو الإنسان الكامل ويعلن إلغاء سورة الزلزلة لأنها تخيف الأطفال.

‎كيف لايحدث ذلك والمتمرد الحلو يعلن على رؤوس الأشهاد وعلى مسمع ومرأى أكثر من أربعين مليون مسلم أنه لا حاكمية لدينهم ولا عصمة لرسولهم ولا جدوي من قانونهم وهو رغم عدته وعتاده وتعداده فهو لا يملك وسط قبيلة النوبة المسلمة التي تقارب المليون مواطن إلا خمسة عشر الف مسيحي أغلبهم لا يؤمنون بالعلمانية وها هي العاقبة تتجلى مذلة الأقلية للاغلبية، وانتهاك لعقيدة الاسلام واحتقار ديمقراطية الأكثرية مع افتقاد الأمن والأمان واتساع رقعة الفقر والمرض والجهل والمحاصرة بالفيضان والطوفان والموت والجراد والقُمل والضفادع والعياذ بالله.

‎حيث تطل آية الإنذار القاصمة للمرجفين: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا ۖ فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَرِثِينَ).
‎اللهم نسألك بكل ضراعات هذا الشعب المبتلى وبكل رجاءات نسائه وأطفاله وفقرائه وشيوخه والمستضعفين ونسألك بكل ما سألك به الأتقياء الأخفياء من صالحي هذه الأمة في ليل الضعف وهزيع الإنكسار أن تنقلنا من رفقة العذاب والابتلاء إلى مراقي الفتح والاجتباء إنك أنت العزيز القدير