حسين خوجلي يكتب: ألوان والمساء وقناة أم درمان.. مرافعة أم إذن بالانصراف؟

ظللت لنهارات مضنية وليال مجهدة وأنا أغالب نفسي أن اكتب هذه الأسطر الحزينة على نفسي وعلى أنفس الكثيرين من الأصحاب، والأحباب، والخصوم النبلاء الذين صاحبوا تجربتي الاعلامية المقروءة في صحيفة الوان والمسموعة في إذاعة المساء والمشاهدة في فضائية أم درمان.
ولكن يظل علم الحساب بجمعه للمطلوب وطرحه للمأمول وقسمته للمرغوب عصياً على أي تجاوز أو تأجيل. فمنذ عام مضى إستطاع خصومنا وبأدوات غير شريفة لا يقرها دين ولا خلق ولا وطنية، يمارسون أبشع أنواع التعدي ضد مؤسساتنا، إبتدروها بحملة إغتيال أدبي استعملوا فيها كل أسلحتهم الصدئة بالداخل والخارج عبر الوسائط ووسائل التواصل الاجتماعي، وعندما لم تجد فتيلاً استخدموا مؤسسات المكوس والضرائب والجزاءات المالية الحكومية لينالوا منا جنائياً، ولكنا وبعون الله وحمده صمدنا واتقاء لمؤامرتهم سيلّنا حتى السيارة الخاصة. وبدأوا في حملة مقاطعة لكل أنواع الرعاية والإعلان الحكومي وشبه الحكومي، بل أنهم انحدروا لدرجة أنهم وصلوا كل المؤسسات الخاصة والمصانع ورجال الأعمال مستخدمين فرض (الخوة والتهديد والبلطجة ) لكل من يتعامل مع منظومتنا الإعلامية.
وفي تحرك نوعي بائس استخدموا الاجراءات القانونية بحجة زائفة بأننا نتلقى إعلانات حكومية، فكانت التهمة مثار سخرية القانونيين والإعلاميين والشارع العام وقاموا بتجميد حساب المجموعة الإعلامية بدون وجه حق، بل أسرفوا في الخصومة بأن منعوني من السفر للعلاج رغم تحذير الطبيب المعالج بأسبانيا من أن أي تاخير للجراحة أكثر من هذا يمكن أن يؤدي إلى ذهاب البصر تماما. ولتجويد وتجديد المظالم قاموا بمنع إبننا المهندس من السفر للالتحاق بوظيفته بالإمارات بحجة واهية بأنهم يريدونه شاهدا، مع أنه ليس له أي علاقة بالإعلام سوى دور والده، وقد فقد للأسف الوظيفة والإقامة، ولكنه لم يفقد اليقين والمستقبل والقضية فهو حفيد الشهيد الشريف احمد ود طه وعمه الشهيد عبد الاله ( صنديد دار الهاتف).
ولأنكم تعلمون أن مثل هذه المؤسسات الإعلامية لاتعيش إلا في ظل حرية ولو نسبية وتفهم عقلاني وإقتصاديات مفاضة تفي بمصروفاتها الجامحة، فإننا وجدنا أنفسنا بعد عام من المثابرة والمصابرة والمغالبة والمجالدة عاجزين عن الايفاء بفاتورة البث عبر الاقمار الاصطناعية (الدولارية الباهظة)، في ظل الارتفاع الجنوني لأسعار الدولار، وعاجزون أيضا عن الايفاء بإلتزامات الانفاق اليومي المتكاثف لفاتورة الإنتاج وأجور العاملين والضرائب والعوائد وصيانة الأجهزة وخدمات الانترنت.
أما الانفاق الشخصي والعائلي فهذا هم قديم اعتدنا عليه وعلى مغالبته بالصبر وحسن الأمل وحتى منتهاه (كفن من طرف السوق وشبر في المقابر).
ويكفي مجموعتنا الإعلامية فخراً أنها ومنذ اتقاد جذوتها منذ منتصف الثمانينات وإلى اليوم، لم تكسر قلماً ولم تحجب صوتاً، ولم تغيب وجها لصديق أو عدو ولمقارب أو مغالب، بل أننا وبكل الفخر والخلق الإعلامي الرصين قدمنا كل هذه الوجوه المعارضة قديماً، والحاكمة آنياً عبر وسائطنا، إدعوا فيها كل البطولات التي أهلتهم لتقدم الصفوف، وعجزوا الآن تماما عن إحتمال أي صوت آخر أو حتى نبرة معارضة عبر أجهزتهم السلطوية الهباء .
ولأننا تعودنا بمنهجنا المهني الواثق واحترامنا الصارم لرسالتنا الاعلامية ألا نمد يدنا لسفارة أو لدولة أو نظام أو منظمة أو مستبد، فقد اخترنا إذن الانصراف بشرف وشجاعة دون أن نبيع عقيدتنا ومكارم شعبنا وشرف مهنتنا في سوق النخاسة والعمالة الإقليمية والعالمية التي في زمان المذلة والمهانة اشترت كل شيئ في بلادنا حتى الماء والهواء.
وسيكون اليوم الثلاثين من مارس الجاري هو آخر يوم بث عبر القمر الاصطناعي لقناة أم درمان الفضائية، ولكننا سنستمر في البث المباشر لقناة أم درمان الفضائية عبر اليوتيوب، كما ستظل إذاعة المساء ماضية في إيصال رسالتها عبر البث المباشر في الموجة 101 اف ام .
واخيراً شكرا نبيلاً وجزيلا لكل المبدعين الذين حملوا هذا المشوار الطويل بأفكارهم النيرة وإبداعهم الأصيل وآرائهم الوضيئة، فصارت عبر التوثيق في عقل وقلب ويد الشعب مشاعل.
شكرنا لكل العاملين من كتاب ومعدين ومذيعين وصحفيين وفنيين وقراء ومستمعين ومشاهدين من الذين أزهروا عندنا وعند الآخرين خلقاً ومقدرة وإضافة.
وشكرا لعشرات الملايين في داخل وخارج السودان الذين أمدونا بهذا الأفق الرحيب من الحب والإعزاز والتقدير و التوقير.
وسيبقى شعار دعوة الحق والخير والجمال خالداً وحاراً أبدا في قلوب الرجال والنساء، وسنحمل إبداع الألوان أبدا وعداً بأشرعة المساء، وسوف نلتقي قريباً حينما تكون مساحة الوطن مفتوحة على كل الأفئدة والأصعدة، وسنأتي حين نُسقط قريبا مجتمع الكراهية ونُسعد هذه الأرض الطيبة بواقع شفيف ضد الراهن المخيف.
وسيظل نشاطنا الصحفي اليومي من خلال موقع ألوان ديلي، ويسمق رأينا عبر (ولألوان كلمة) التي نعد شعبنا بأنها ستملأ الدنيا وتشغل الناس، وغدا ستطل بشارة هذا الغد المأمول صبحاً، ألا إن الصبح لقريب.

حسين خوجلي