هل عاد (الاحتكار) في استيراد الوقود: صفقات الفساد النفطية.. العودة لعهود الظلام

صفقات الفساد النفطية.. العودة لعهود الظلام

بقلم: بخاري بشير *

* نقلا عن خبطة نيوز

  • سياسة الاقتصاد المعلنة في السودان؛ هي سياسة التحرير؛ وهو ماذهبت اليه حكومات ثورة ديسمبر بتنفيذ صارم ؛ وكانت حكومة حمدوك الأولى رائدة هذا التغيير فيما عرف بسياسة (رفع الدعم).. وهوالذي أشار اليه وزير المالية بـ (العلاج بالكي).. من ناحية منطق اقتصادي هي سياسة (صحيحة)؛ رغم تأثيرها المباشر على المواطن ودورها في رفع الارتفاع؛ وصحة هذه السياسة كما يقول علماء الاقتصاد انها تزيل (التشوهات) الموجودة في لاقتصاد؛ وتؤسس للمنافسة وترك الأسعار لعملية العرض والطلب.

كان التأثير الأكبر لهذه السياسة في قطاع الوقود.. والذي تقوم بأمره وزارة النفط؛ وسمحت الدولة للقطاع الخاص في الدخول الى مجال استيراد الوقود بأشكاله المختلفة (بنزين وجازولين وفيرنس) بعد سياسة التحرير.. قبل انفصال الجنوب كان السودان ينتج قرابة الـ (85% من استهلاكه).. ولكن بعد الانفصال وخروج ايرادات النفط من الموازنة قابلت الدولة (تحديات) كبيرة في هذا الجانب؛ خاصة بعد ان تراجع الانتاج النفطي في السودان مؤخرا لأسباب كثيرة ليس هذا محل ذكرها.

رغم ارتفاع اسعار المحروقات بعد تطبيق سياسة التحرير؛ لكن الحق يقال قد حدث استقرار ممتاز؛ واختفت صفوف البنزين والجاز من المحطات؛ صحيح أن هناك زيادة كبيرة في الأسعار وانعكست على المواطن بالارتفاع الكبير في السلع ؛ لكن الاستقرار من شأنه أن يؤثر ايجابا على عجلة الانتاج مستقبلا؛ واستقدام مستثمرين جدد مما يدفع بحدوث انتعاش واستقرار اقتصادي.

ترك موضوع الوقود لمنافسة القطاع الخاص دون التدخل بفرض (الجبايات) بالتأكيد سيسهم في خلق الاستقرار ؛الا أن اصرار الدولة ممثلة في وزارة المالية على تعويض فاقد الايرادات من هذا قطاع الوقود؛ من خلال فرض رسوم جديدة زادت الاسعار بصورة (مخيفة).. مثلا فرضت المالية رسوما بلغت في مجملها 26% في البنزين و23% في الجازولين.. وهي مفصلة كالآتي: (17% قيمة مضافة= 3% رسم حرق محروقات +2% رسوم وزارة).. وبالنسبة للبنزين هي ذات النسب مضاف اليها 3% أخرى.

ثم اصرار المالية على السداد مقدما بشيك ضمان بنكي يصدر من الشركة المستوردة؛ والا تظل البواخر في انتظار التفريغ؛ وتقوم بدفع متأخرات أرضية لأي فترة تأخير.. رغم ذلك لم يترك الأمر للقطاع الخاص كليا؛ لكن دخلت شركات حكومية مجال استيراد الوقود.. وهذ الشركات بالقطع تعامل معاملة (مختلفة) عن معاملة شركات القطاع الخاص مما يجعل مبدأ المنافسة منعدم؛ وبدوره هذا يؤثر على عدم استقرار القطاع؛ وقد هددت شركات كثيرة بالتوقف الكامل عن الاستيراد؛ لما وجدته من (شبهات) فساد ووساطات ومحسوبية.

لشركات القطاع الخاص مواقف وطنية ممتازة عندما رفضت زيادة الأسعار في الفترة الأخيرة؛ وانعكس هذا جليا في (التخفيض) الذي أعلن على أسعار المحروقات؛ صحيح أن نسبة (التخفيض) كانت ضئيلة لكنها وجدت استحسان كبير من قطاعات المجتمع؛ ودفعت بأشرعة الأمل أن الأمر سيكون أفضل مستقبلا.. طبعا اذا ترك الأمر للمنافسة الحرة ؛ دون استخدام نفوذ لمصحة جهة دون أخرى.

لكن السؤال.. هل ترك الأمر للمنافسة- لا أعتقد – لأن ما توافر لدينا من معلومات يؤكد غير ذلك؛ فهناك جهات تسعى لفرض نوع جديد من الاحتكار سيؤثر سلبا على استقرار قطاع النفط.. وسنواصل حديثنا عن هذا الموضوع الأيام القادمة.

  • حديثي حول -احتمالية- عودة الاحتكار في قطاع النفط وبالذات في جانب استيراد المحروقات بأشكالها المختلفة، والاحتكار الذي أعنيه ان تجد بعض الجهات الخاصة المستوردة (أفضلية) أكثر من غيرها، اما في تحديد أسعار المنتجات البترولية، او في (السماح) الذي تجده في الموانئ فيسمح لها بالتفريغ قبل ان تسدد الرسوم المطلوبة والبالغة في جملتها ٢٦٪ من قيمة الشحنة.
    هذين السببين بالتأكيد يمنحان الشركة المستوردة- سوى كانت شركة خاصة او شركة تابعة للحكومة- أفضلية على بقية الشركات، وتستطيع ان تحقق أرباحا طائلة، لانها لم تسدد رسومها كاملة، ووجدت بالمقابل سعرا عاليا، تم تحديده بواسطة الجهات المسؤولة، ولا احد يستطيع ان يغير فيه، حتي اذا كان التغيير (تخفيضا) وفي صالح المواطن.. كما حدث في السابق من المستوردين، عندما ارادوا (التخفيض) وفقا لنزول الاسعار الحاد عالميا، لكنهم ووجهوا بسياسات الوزارة الرافضة لاي تعديل في الاسعار الا بعد الرجوع اليها.
    وهنا لابد ان نشير الى سياسات تحديد الاسعار.. اولا: السياسات المتبعة بوزارة الطاقة والتعدين/ المؤسسة السودانية في تسعير المنتجات البترولية المستوردة، ان يتم حساب متوسط الاسعار العالمية لشهر الوصول المتفق عليه وذلك تفاديا للتذبذب الذي يحدث في الاسعار العالمية وفيه مصلحة للطرفين.
    ثانيا: التسعير يأخذ متوسط الاسعار العالمية لمتوسط خمسة ايام حول بوليصة الشحن، وفيه أفضلية للبائع وليس المشتري.
    فهل تم العمل بهذه الأسعار؟ ولم تكن هناك جهات نالت (أفضلية)؟ المعلومات تقول ان هناك (محسوبية) كبيرة في معاملة بعض الصفقات، خاصة تلك الصفقة مع اكبر شركة وقود في دولة عربية، عن طريق ذلك (الوسيط) الفاسد، والذي يسعى بكل الطرق للسيطرة على قطاع النفط.
    لا يمكن ان يعود السودان القهقرى، الى عصور (التغطية- والغتغيت)، بعد ان شهد اكبر ثورة في الالفية الثالثة، قامت ضد الصوص والمفسدين، وآكلي المال العام، درجة الوعي التي يتحلى بها المجتمع والشباب السوداني اليوم، ليس لها مثيل في كل تأريخ السودان السابق، ولن تسمح بهذا (العبث) ان يعود وهذا الجيل الذي ينادي بالعدالة والمساواة والحرية والسلام لن يقبل بعودة (اللصوص) من جديد مهما كانت المسميات.
    رضي المواطن، بعد صبر جميل بكل بلاوي التضخم ونيران غلاء الاسعار، حتي يتم انفاذ سياسة (التحرير) الاقتصادي، وخضوع فقه الاسعار لقانون العرض والطلب، وخلق منافسة شريفة بين التجار والمستوردين الشرفاء.. ولن يقبل باي حال من الاحوال بالعودة من جديد لنظام (السرقات) المكشوف، و(التصاديق الليلية) والوسطاء الشرهين.
    صفقات مشبوهة تدار الآن في قطاع النفط، واذا لم تتحرك قيادة الدولة، فسيعود هذا القطاع من جديد لعهود الظلام والاحتكار، واذا طبق المستوردون الشرفاء تهديدهم بوقف الاستيراد سترجع الدولة من جديد لصفوف الطلمبات الممتدة (سيئة الذكر).
    لا اعتقد ان المسؤولين في قطاع النفط بهذا التساهل، ولابد ان حلقة من حلقات (السماسرة) غابت عنهم، لكننا علي ثقة ان هناك شرفاء، لن يقبلوا بعودة عهود الظلام.. ولا زال للحديث بقية، لاننا سنكشف المستور وبالمستندات والوقائع.