بـــوح إستثنــائي
الأديب والشاعر، الباحث الاستراتيجي الوزير السابق “صديق المجتبى محمد الأمين” في ضيافة صحيفة ألوان ديلي
حاورته: وفاء قمر بوبا
يعتبر صديق المجتبى من الشخصيات التي تميزت بالابداع في ضروب حياتية مختلفة تتمثل في مجالات الفن والثقافة والعلم والأدآب
شاعر نحرير يجيد رسم ملامح الإبداع صاحب حضور أدبي انيق في طرحه، كما يعتبر واحدا من ابرز الأسماء التي تميزت بحضورها الفارق في الساحة السياسية والفكرية خاصة في مجال البحوث والدراسات الاستراتيجية، تقلد عدد من الحقائب الدستوريه والوزارية بالدولة لم تمنعه المواقع الوظيفيه والتنفيذيه التي تقلدها من أهتماماته الاخرى المتعلقه بالأدب والشعر الفن والإبداع.. نذكر منها على سبيل المثال لا للحصر تقلده لعدد من الحقائب الوزارية، شغل منصب وزيرا للسياحة بالبلاد ثم وزير للثقافة، كما يعتبر عضوا رائدا في العديد من المؤسسات الثقافية العربية والإفريقيه، شارك في العديد من المؤتمرات الخارجية والاقليميه اضاف الاستاذ صديق المجتبى للمكتبه الفكريه السودانيه عددا من الاوراق في مجال البحوث والدراسات واوراقا ثقافيه، نقديه، علمية تحليليه تزينت بها جيد المكتبه السودانيه ، للاستاذ مجتبى الصديق عددا وافر من الدواوين الشعرية نذكر منها “أسمار الفقراء” و”الفلاحة التائهة” و”الشعر في زمن العولمة”…
كان لصحيفة الوان ديلي السبق في ان تلتقيه وتقف على ارأءه الفنيه والسياسيه والثقافيه في حوار غطت على ملامحه السياسة بروح الأدب بل اكتست فيه السياسة ثوبا ادبيا انيق تمثل في جمال المفردة و سلاسة التعبير ودسامة المعنى كما كان الحوار معطونا براهن البلاد وفقا لقرآءآت ومآلات المشهد الراهن بالبلاد تمثلت فيما يلي من مضابط الحوار:
• بالرغم من أننا نعرف أن مجتبى شاعرٌ وباحث إستراتيجي ووزير إلا أننا نبحث عن البطاقة بلغة الشعراء، من هو صديق المجتبى الوزير الشاعر؟!
أولاً يطيب لي أن أعبر عن سعادتي وأنا في رحاب صحيفتنا الغراء ألوان التي كانت سرحة لأقلامنا ونحن في مقتبل العمر آنذاك نحاول أن نرتاد أفقاً جديداً في عالم الصحافة السودانية برؤى وأفكار جديدة لنصنع وجوداً مغايراً للأمم الصحفي الذي كان سائداً قبل وبعد الاستقلال. فكانت ألوان أول صحيفة ملونة شكلاً ومضموناً. وأول مدرسة صحفية جديدة وظفت الفكر والثقافة والفنون والإبداع والتراث في نقل الحدث السياسي وعرضه بإسلوب يجعل القارئ يتلقى الحدث أو الموقف السياسي مرتبطاً بجذوره التراثية والثقافية فالأخبار في ألوان ليست تقريراً صحفياً مملاً أو نقلاً ببغاوياً لأقوال وأفعال اللاعبين في مسرح الحدث فعلاً، وهذا متاحُُ في كل الصحف والإذاعات والقنوات الفضائية ولكن ألوان تحاول أن تستقصي بحثاً عن الفريد والمثير لما وراء الحدث ، فالمقالة في ألوان مائدة دسمة غنية بالشواهد التراثية والأدبية والأمثال السودانية ، مما يجعل خطابها الصحفي أقرب إلى الوجدان السوداني ، لذلك يقبل عليها القراء بمختلف مشاربهم الفكرية وانتماءاتهم السياسية لأن سودانويتها هي القاسم المشترك بين أهل السودان ، وهذه هي الحلقة المفقودة في خطابنا السياسي.
• ماذا عن بطاقتكم الشهيرة التي صغتها شعراً ؟
أما بالنسبة لبطاقتي التي صغتها شعراً وانفردت ألوان بنشرها في العام ١٩٨٥ وكانت إشارة لرسم ملامح لجيل جديد يتطلع لحياة مغايرة للنمط أو القالب الذي وضعنا فيه قبل وبعد الاستعمار .
• هلا تكرمت بقراءة جزء منها ؟
القصيدة طويلة ويمكن نشرها فيما بعد منفردة ولكن المقطع الأخير منها كان الأكثر تداولاً وهو:-
الاسمُ : كلُّنا في موطني محمدٌ
العُمُرُ : وُلِدتُ حينما أتت رسالة السماءْ
الدينُ : مُسْلِمٌ مجاهدٌ من أجلِ أن تسود في الدُنا عدالةُ السماءْ
اللونُ : لا يهمنا بقدر ما تُهِمُنا التُقَى
الشغلُ : كادحٌ يحب أرضَهُ يسيلُ من جبينهِ العرقْ ….
فترتوي….
وتُخْرِجُ الزروعُ شطأها …
وتستوي أعوادها غليظةً تغيظ من كَفَرْ
وتعجبُ الذين يؤمنون بالقضاء والقَدَر
الطول : مئذنةْ
أساسها متينْ
هلالها يلوحُ في السماء كالبشارة
فهل تُرى عَرفتني بهذه الأمارة
فهذه هُويتي
فهل تُرى عَرَفتني ؟
• ما علاقة المسالمة بقرية الكتياب بنهر النيل ؟
لا توجد علاقة عرقية بين الكتياب القرية وحي المسالمة، إلا أن علاقة الجوار بين حي المسالمة وحي الكتياب وهي تعكس مساكنه وتعايش اجتماعي وديني رائع، حيث توجد خلوة الكتيابي التي تأسست عام ١٩٠٥ وكنيسة الشهيد مارجرجس التي تضم إرسالية مسيحية عريقة وكان الغرض من وجود الخلوة في هذا الحي هو تحصين أبناء المسلمين من حملات التنصير التي نشطت بعد انهيار الدولة المهدية في سبتمبر عام ١٨٩٨ . ولكن المواجهة بين الخلوة والكنيسة كانت ناعمة ومفعمة بالاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين ، بل كانت العلاقات الاجتماعية جيدة إلى درجة أن بعض المسيحيين كانوا يصومون رمضان تضامناً مع المسلمين وكانوا يقدمون موائد الإفطار للمسلمين، وأذكر أن الأطفال المسيحيين يحضرون المناسبات الدينية مع نظاراتهم المسلمين ، بل أن بعضهم أعلن إسلامه دون ممناعة من أهله ، كانت المسالمة ولا زالت نموذجاً للتعايش بين المسيحيين والمسلمين ، لقد ظل شعراؤهم مثل عزيز التوم يكتبون قصائد في مدح الرسول عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وهذا باب يطول الحديث فيه.
• الكتياب، الخلوة والشعر والسياسة ، لماذا هجرت الزراعة وكنت خريجا متفوقا فيها ؟
هذا سؤال مركب من خمس عناصر:
أولاً الكتياب فرع من قبيلة الجعليين وينسبون إلى جدهم أحمد أبو كتيب الذي تلقى العلم في المدينة المنورة وهو مؤسس مسيد الكتياب قبل أربعة قرون وقد رُخِّمَت كلمة “كتيب” فصارت “كُتي” والكتاب المقصود في هذا الإسم هو المصحف أي أن أسرة الكتياب هي الأسرة الوحيدة التي نسبت إلى الكتاب العزيز. وقد اشتهروا بتحفيظ القرآن ولهم أكثر من مئة خلوة منتشرة في أنحاء السودان شماله وشرقه وغربه ووسطه بل تجاوزت حدود الوطن إلى تشاد غرباً والحدود بين أثيوبيا وأرتريا والسودان وهناك كتاب لحصر خلاوي الكتياب في السودان .
أما الشعر فللكتياب عدد كبير من الشعراء والأدباء أبرزهم الشاعر التجاني يوسف بشير ومحمد عبد الوهاب القاضي ومحمود عبد الوهاب القاضي ومن الجيل الجديد الشاعر عبد القادر الكتيابي وشخصي وهناك شعراء كثر جيدون لكنهم لم يظهروا في منابر الإعلام .
أما في مجال السياسة فلهم نواب في الجمعية التأسيسية ومشاركون في الحركة الوطنية أمثال الأستاذ عبد المنعم حسب الله، كما كان لهم دور في المهدية وقدموا ثلاثة شهداء في معركة كرري وفي القضارف وفي الشرق حيث كان الأمير عثمان دقنة يقاتل المستعمرين.
أما بالنسبة لمهنتي في الزراعة فقد مارست العمل فيها في القطاع الخاص حتى أصبحت رئيساً لنقابة المهندسين الزراعيين فالقرآن الخاص ولكن انشغالي بالأدب وعملي في مجال الصحافة كاتباً ومديراً تنفيذياً لصحيفة السوداني وعملي في مجال الثقافة مديراً لدار الآداب والفنون للتأليف والترجمة والنشر عام ١٩٨٣ ودراستي للماجستير في مجال الترجمة ثم أميناً عاماً للاتحاد العام للأدباء والكتاب السودانيين ثم عملي كنائب للأمين العام لوزارة الثقافة والإعلام ونائب للأمين العام للهيئة القومية للثقافة والفنون ثم وزير دولة للثقافة والسياحة ومشاركتي في العديد من المؤتمرات الثقافية والفكرية داخل وخارج السودان وغيرها من المناشط التي شاركت فيها صرفني عن عملي كمهندس زراعي إلا أنني لم أنقطع عن متابعة الأبحاث والأوراق العلمية والندوات العلمية وكانت آخر مشاركة لي في مركز البيان عبارة عن ورقة علمية بعنوان Agricultural Dynamics
كما قدمت عدد من الأوراق عن علاقة النباتات بتراثنا الشعبي وبعض المعتقدات الدينية والثقافية المرتبطة بالزراعة وبعض الأوراق عن سلوك الحيوانات والحشرات في القرآن الكريم والأدب والأمثال يعني علاقتي مع الزراعة قد نحت منحىً ثقافياً.
• كيف يختار الشاعر نصفه الحلو؟
قد تكون هنالك معايير للشاعر والفنان والأديب في إختيار شريكة حياته وربما يكون اللطف والذوق والجمال والرقة والموافقة في الميول وحسن الخلق هي أهم معايير الاختيار وقد يكون الشاعر أو الأديب أو المفكر أو العقلية المبدعة أميل للمرأة الكاتبة الأديبة المثقفة من غيرها ، رغم أن هذا ليس شرطاً أساسياً ، وليست الصفات الجمالية المادية وحدها هي المعيار في إختيار شريكة الحياة .
• هل من تعريف جديد لمدينة أمدرمان؟
أمدرمان مدينتي ولدت ونشأت وترعرعت فيها ولا استطيع أن أتصور وجودي بدونها . هي المدينة الوحيدة التي لم تخططها يد المساح هي مدينة من صنع الثقافة والتاريخ، هي مدينة أفقية وقد تجد النفاج يربط بين بيوت من قبائل مختلفة وقد تجاوزت أمدرمان سؤال القبيلة وصارت مزيجا إنسانياً رائعا وتحقق فيها امتزاج الإنسان بالإنسان كما قال شيخ شعراء السودان أستاذنا عبد الله الشيخ البشير في قصيدته الرائعة (استدارة حول البقعة) ومن عجائب هذه المدينة إنها المدينة الوحيدة التي لا يعرف خارطتها إلا أهلها ، وهي المدينة التي انصهرت فيها كل أعراق وقبائل السودان ، وهي التي ألفت قلوب بين فأنتجت لنا هذا المزيج الثقافي السوداني القومي كنموذج شخص أمام السياسيين ليقول لهم إن الوحدة ممكنة لكن بفعل المثقف والتساكن والتصاهر . أمدرمان صنعت لنفسها تراثاً من جماع ثقافات وعادات وتقاليد أهل السودان وفي صوتها ولغتها العامية كل نبرات ولهجات أهل السودان وهي مشروع ثقافي يشكل مستقبل السودان الثقافي . يجب حماية مشروع أمدرمان الثقافي الوطني من الاغتيال عن طريق التغيير الديمغرافي بواسطة الخطة الإسكانية غير المدروسة والتخطيط العمراني الذي يتجاوز مفهوم العمران البشري أرى أن هناك عملا ممنهجا تديره بعض المنظمات الغربية لاغتيال هذه المدينة الوطنية التي كانت سبباً في إنهاء المشروع الاستعماري الغربي الذي اتخذ من الخرطوم قاعدة له ينظلم منها إلى كل الحزام السوداني وذلك بالتوجيه القسري هروبا من الحروب الأهلية التي أشعلوها في أطراف السودان وفي دول الجوار مما أدى قيام طوق الكنابي حول مدينة أمدرمان حتى فاق عدد سكانها سكان المدينة الأصليين حتى يتعطل مشروع الثقافة السودانية القومية تكونت عبر التاريخ فهي حاضرة قديمة مذكورة بأسماء مختلفة في مدونات الرحالة ولتفردها ظن الرحالة ألان “مور هيد” صاحب كتابي النيل الأزرق والنيل الأبيض أنها قبيلة فأطلق غليها اسم قبيلة أمدرمان ، أما الباحث اللغوي تشارلس فيرغسون فقد قال إن أمدرمان قد استطاعت أن تؤسس لهجة عامية عربية ناصعة يفهمها كل أهل السودان بل ويفهمها كل العرب.
• ماذا عن ندوة عبد الله حامد الأمين ؟
هي في الحقيقة صالون ثقافي جمع بين الحداثة والأصالة إذ كان يرتادهُ الأدباء والمفكرون والفنانون ورواد الحركة الوطنية وقد كان لهذا الصالون دورٌ كبيرٌ في تطوير وتوجيه حركة الأدب والنقد والفن الغنائي الوطني ويشكل تياراً سودانوياً حديثا في حركة الثقافة والأدب السوداني وكان يقيم الندوات الأدبية والمسابقات في مجالات الشعر والقصة وكان يختار عيون الشعر العربي والتراث السوداني وكان له الفضل في تقديم الفنان الراحل المقيم عبد الكريم الكابلي في رائعته آسيا وأفريقيا للشاعر تاج الحسن هذا على سبيل المثال لا الحصر، فصالون أو ندوة عبد الله حامد الأمين قدمت الكثير للساحة الثقافية السودانية، وقدمت أصوات جديدة في الشعر والفن والنقد والقصة ، فكانت قلبا نابضا جسد الحراك الثقافي السوداني
• ماذا عن ندوة فراج الطيب؟
لقد كنت من رواد هذه الندوة لأكثر من خمسة وعشرين عاماً وتسمى أيضاً ندوة لسان العرب وكانت تُعنى باللغة العربية وعلومها وآدابها وكان يرتادها كبار الأدباء والعلماء والشباب والطلاب خاصة طلاب المعهد الإسلامي الأفريقي (جامعة أفريقيا العالمية الآن) ومديره آنذاك الدكتور إبراهيم أبو عباءة والشاعر السعودي حسن عبد الله القرشي والسفير الكويتي عبد الله السريع ( عبد الله جوبا) والعجيب أن سفيرا الصيني كان يجيد اللغة العربية كان يزور الندوة بين الفينة والأخرى ، وقد أسهمت الندوة في تقويم منهج تدريس اللغة العربية في الصين وقد زارها وفد من الصين كان يزور السودان لهذا لهذا الهدف ، كما كانت الندوة قبلة للأدباء الشباب وكانت تقيم المسابقات الشعرية للشباب بالتعاون معالمجلس القومي لرعاية الآداب والفنون كما أصبحت حاضنة لاتحاد الأدباء السودانيين وبعض كتاب الملاحق الصحفية والنقاد والشعراء من مختلف الاتجاهات الثقافية رغم أن خطها العام كان عربياً إسلامياً وسطياً. لقد أسهمت الندوة في إثراء الساحة الثقافية والأدبية. ربما نفرد مساحة خاصة لندوة العلامة فراج الطيب إذا أتيح لنا ذلك.
• بالطبع هنالك فرصة أخرى مع حضرتكم نتعمق ونتناول فيها نقاشاً حول أثر وتأثير تلك الندوات على تشكيل الهوية السودانية وترسيخ جذورها على امتداد الأجيال السودانية؟!
بالطبع وبكل سرور
• سعادة الوزير ثلاثة كتب أثرت في صديق المجتبى ؟
قد تكون هنالك كتب أثرت في تهذيبنا وتكويننا الثقافي وهي مهمة لبناء الذات والتربية والسلوك. أعتقد أن القرآن والتفسير والسيرة النبوية والأحاديث النبوية وتاريخ الفتوحات الإسلامية وهذه تمثل مكوناً أساس لثقافتنا وهي ضرورية للنشئ والشباب ، أردت أن أقول لكل مرحلة من العمر نوع من الكتب تسهم في البناء المعرفي والفكري للإنسان ، أي أن ثلاثة كتب وحدها قد يستمر تأثيرها على الإنسان مدى الحياة ، إلا تلك التي ترتبط ببناء الذات وتأكيد الهوية والوعي بها في عالم متغير . يمكن أن تكون هنالك كتب تؤتر في الميول الأدبية واختيار الجنس الأدبي للإنسان ، لكنني أرى أن يراعي التعليم في مختلف مراحله ومؤسساته منذ تعليم ما قبل الأساس إلى الجامعة هذا التدرج في مناهج التعليم مهم . في إعطاء الجرعة المناسبة لكل مرحلة عمرية ولا بأس بل بالضرورة أن نعيد المكتبة المدرسية حتى يطلع النشء على كتب الأدب العربي والأدب العالمي والاهتمام بتجويد اللغتين الإنجليزية والعربيةعلى وجه الخصوص وإتقانها بوصفها لغة الإبداع الفكري والثقافي .
لقد صار العالم اليوم غارقا في لجة من بحار المعلومات وموجات التدفق الإعلامي من مناطق الإنتاج الغزير التي امتلكت ناصية التكنولوجيا وتقنية المعلومات وإنتاج البرمجيات والألعاب الإلكترونية واللهو وفق مخطط عالمي يستهدف الثقافات الوطنية الهشة وحضارات الأمم بغية صناعة مسخ مشوه منها خاصة الحضارات التي سادت العالم في زمان ما ، مثل الإمبراطورية الإسلامية التي حكمت العالم القديم لأكثر من عشر قرون . لذلك أصبحت الثقافة هي ميدان الحرب العالمية الرابعة الناعمة (حرب الجيل الرابع). هذه الحرب الآن تستهدف الشباب باعتبارهم مكامن القوى في الأمم لتجعل منهم طاقة سالبة وشريحة متمردة على أوطانهم ومعاول هدامة لها . هؤلاء هم جيش الغزو الذاتي لأوطانهم بدلا عن الحركات المسلحة المتمردة ، وقد تم إعدادهم في المواقع المظلمة داخل الشبكة العنكبوتية لهذا الهدف . كما ترين النماذج التي ظهرت بعد ثورة ديسمبر مما يسمى بالراستات والسانات والمحششين وعبدة الشيطان والمثليين فصاروا يحسبون ضمن مكونات الثورة مسنودين أو مدعومين باتفاقيات دولية مثل سيداو والمنظمات العلمانية النيوليبرالية . هؤلاء قلة ولكن يفرد لهم إعلام حرب الجيل الرابع من القنوات الغربية ومنظومتها المحلية و الإقليمية العميلة ومنظمات حقوق الإنسان واتفاقيات ومعاهدات دولية اعتمدتها الأمم المتحدة مثل اتفاقية سيداو وغيرها .
أما النصح بقراءة الكتب لا يجدي مع هؤلاء ولا هم يقرأون لأنهم صمموا ليكونوا أدواة لتدمير فقط وليس للحوار الثقافي والفكري ويعتمدون على التلقي بأدوات الصورة والصوت والبرمجيات ولغة الراندوك فهؤلاء هم جيل الغيبوبة في زمان التخدير وغسل الأدبية وهذه مصيبة أو كارثة عالمية تحتاج إلى مشروع كوني للإحاطة بها ودرء خطرها على الأجيال القادمة .
مع هذه الصورة القاتمة التي قدمتها عن هذه الفئة من الشباب ألا يوجد شباب نابهون ومنتبهون إلى هذا المخطط العالمي ؟ نعم هنالك شباب مثقفون يتمتعون بدرجة عالية من الوعي بالتحديات الكبرى التي تواجه العالم وتهدد ثقافاتهم الوطنية وعقيدتهم الدينية مثل جماعة الإحياء والتجديد وتيار النهضة الثقافية وغيرها ولكن لا يجدون السند العالمي الذي يحظى به ذلك أولئك المغيبون من الشباب .
• كيف يبدو عالم اليوم سياسياً واقتصادياً وأخلاقياً؟
هذا عالم ما بعد القطبية الثنائية بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي ( زمان الحرب الباردة) وقد ظهر نظام هجين بينهما وهو ال Neoliberalism وهو عالم متوحش يأكل الأقوياء فيه الضعفاء وتنتهك فيه حقوق الشعوب وسيادتها وسيعاد فيه تخطيط العالم بحدود جديدة تقوم على قسمة الموارد بين دول الاستعمار القديم كما يجري في العراق واليمن وسوريا وليبيا والسودان كما ترين بعد ثورة ديسمبر التي يجري الاستفادة منها في هدم السودان القديم وتقسيمه إلى دويلات . عالم اليوم منحط أخلاقياً وقائم علي إفقار الشعوب وتدميرها أخلاقياً ونهب ثرواتها . هذا عالم ما بعد العلمانية التي كانت تنادي بفصل الدين عن الدولة أما اليوم فقد تجاوزوا أمر الدين إلى انتزاع الشعوب من ثقافاتها وحضاراتها وتجريدها من قيمها الإنسانية الفطرية وتدمير أخلاقها لمستها من خارطة العالم الذي تمثل موارده قيمة أعلى من الإنسان ككائن فضله على خلقه أجمعين ، فقد سقطت فكرة السيادة للدولة القطرية والحدود والقوانين والمواثيق الدولية وصارت فيه الأمم المتحدة أداة للتخريب تهيمن عليها الدول الأقوى إقتصادياً ومادياً ومحطة أخلاقياً ولكن ( الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون ) ..
• ما هي أهم أعمدة الاستراتيجية ؟
استراتيجي كلمة عربية مشتقة أو منحوته في اللغة اللاتينية من كلمة الصراط وهو الخط المستقيم الذي يصل بين أقرب نقطتين ومن هنا جاء الجذر اللاتيني Strat . وعندما نقرأ في الصلاة في سورة الفاتحة (اهدنا الصراط المستقيم) يعني أقصر الطرق التي توصلك إلى الهداية أو الحقيقة الإيمانية . فالقرآن يدعو إلى التفكير الاستراتيجي في شؤون المعاش والمعاد . يعني منشأ الكلمة في نظري عربي أما في معجم المصطلحات فعرف كالآتي:
مصطلح الإستراتيجية يعد من المصطلحات القديمة المأخوذ من الكلمة الإغريقية Strato وتعني الجيش أو الحشود العسكرية، ومن تلك الكلمة اشتقت اليونانية القديمة مصطلح Strategos وتعني فن إدارة وقيادة الحروب. ثم أصبحت تعني علم التخطيط فهي التي تضمن للإنسان تحقيق الأهداف من خلال استخدامه مناهج معينة، وتعني الطريق إلى تحقيق الهدف الإستراتيجي، فهي علم وفن التخطيط ، ثم استعملت هذه الكلمة في المجالات المتعددة في شتى مناح الحياة العامة،
وصارت مفهوماً فلسفياً شاملاً تتفرع منها علوم التخطيط الاستراتيجي في مجالات عديدة ، أي أن علم الاستراتيجية علم أساسي وضروري للتخطيط المستقبلي السليم . أما مرتكزاتها أو أعمدتها تتلخص في:
دراسة الواقع الراهن للمؤسسة وتعقيداته وتطوراته المتوقعة ومآلاته المستقبلية والتحسب لها لتحقيق الأهداف المرجوة من الخطة الاستراتيجية. وقد أوصينا بادخال علم التخطيط في مناهج التعليم لبناء قدرات الأجيال في مجال التخطيط على المستوى الشخصي والعام .
• حدثنا عن خالك التجاني يوسف بشير ؟
الحديث عنه لا يتسع له المجال ولكن في كلمات :
هو شاعر عبقري كان إشراقة زمانه ، سابق لعصره وأوانه ، وهو فيلسوف ومفكر وله نظرية كونية في التصوف تجلت في جداريته الكونية ( الصوفي المعذب ) التي طرح فيها أسئلة كونية كبرى في الخلق والارتباط الوثيقة بين الإنسان والكون والوجود الحق وهو في نظره الوجود المعرفي المرتبط بوجود الخالق الله الخالق العظيم متجليا في ابداعه وإعجازه في هذا الكون الفسيح. التجاني شاعر ظلمه النقاد ولم يقرأوا نقده للتعرف على نظريته الحديثه في الشعر باعتباره من رواد التجديد وهو أيضاً من رواد سودانوية الشعر العربي في السودان ولم يتحدثوا عنه كصحفي صاحب فكرة رسلي في الصحافة ومن دعاة حريتها وقداستها المهنية إقرأ مقالاته عن “الصحافة بنت السماء ونزيلة الأرض” ووتاريخه كسياسي قاد أول إضراب في شركة سنجر محتجاً على تدني مرتبات السودانيين مقارنة بنظرائهم الأجانب فكتب قصيدته “ثورة” التي أشر عليها إدوارد عطية قلم المخابرات البريطانية في السودان ، التجاني احتفى به العالم العربي أكثر من بني وطنه خاصة في مصر ولبنان ودول المغرب العربي والمجال لا يتسع .
• ماهي نصيحتك لشارع اليوم؟
شارع ثورة ديسمبر سرقه اليسار العميل للقوى الاستعمارية وشحنوه بالكراهية ضد الجيش بهدف هزيمته معنوياً توطئة لتفكيكه وتفكيك البلاد كما شحنوه بالكراهية لكل ما هو ديني وكل قيمة أخلاقية عليا يتمتع بها المجتمع السوداني . أما نصيحتي للشارع السوداني الحر هي مناهج هذا التيار الموضوع الغريب والخروج لدعم قواته المسلحة وتماسك الجبهة الداخلية أمام الغزو الاستعماري الجديد الذي يتخذهم معولاً لهم الدولة والمجتمع وأقول لهم:
إن لم تخرجوا اليوم مطالبين بطرد البعثة الأممية والسفراء الذين تجاوزوا حدود العمل الدبلوماسي وإيقاف مخططاتهم ، فستخرجون بعد احتلال بلادكم إذلاء في ملاجئ تعاملون فيها كالسوام .
• ماهي نصيحتك لليسار السوداني ؟
أقول :
لقد بلغتم من الكبر عتياً وسقطت نظريتكم عالمياً ، ولو بُعث كارل ماركس في عصرنا هذا لأنكرها واعتذر للعالم عن خطيبته التي أضاعت قرناً من عمر البشرية وأزهقت ملايين الأرواح في سبيل تطبيقها وتخلت عنها دولها العظمى مثل الإتحاد السوفيتي العظيم الذي انهار عندما ضربته رياح البروسترويكا والصين التي أصبحت أكبر قوة اقتصادية في العالم وحلت معظم الأحزاب الشيوعية وواجهاتها اليسارية في دول العالم نفسها عدا اليسار السوداني الذي أصبح مسخاً مشوهاً عميلاً للغرب ضد بلاده يتكفف السفارات الأجنبية ويتسول المنظمات عبر واجهاته العديدة وهو العميل المعتمد ويا لعحبي فقد أصبح عدو الدول الرأسمالية عميلا معتمدا عليها ضد الشعوب الفقيرة لتنفيذ أجندتها كما يحدث اليوم في السودان في الواقع لا يوجد شيوعيون في السودان ولكن يوجد عملاء غربيين تحت قبعات شيوعية قديمة . وكذلك صارت أحزاب اليسار الأخرى التي تعيش إنفصاما آيدولوجيا وسيايا . وحق لنا أن نقول لهم : .
يا أهل اليسار اتركوا بلادنا وحالها فقد رفضتكم في كل صناديق الاقتراع ودحرت كل انقلاباتكم للوصول إلى السلطة ، واعلموا أن الغرب يتعامل معكم مرحلياً لتدمير بلادكم وأنه سيتخلى عنكم كما تخلى عن عملائه في أفغانستان وستذهبون إلى مزبلة التاريخ . واعلموا أن سرقتكم لثورة ديسمبر قد كشفت سوءاتكم وفسادكم وعدم قدرتكم على إدارة البلاد التي دمرتموها وأرجعتموها للعصور الوسطى ، اصرفها كفاية خراب.
• ما هي نصيحتك للطائفية السودانية ؟.
نقول لهم :
بارك الله فيكم وأنزل شآبيب رحمته على ضرائح أوليائكم الصالحين وغفر لكم ما تقدم من ذنوبكم وخطاياكم في حق هذا الوطن . لكن أحزابكم التي تهيمن عليها بيوت السادة أصبحت غير قادرة على التنافس وقد تجاوزها قطار العصر واندثرت محطاتكم القديمة ودوائركم المقفولة التي فتحت أبوابها وحطيت قيودها بعد أن أنارتها ثورة التعليم وأخرجتها من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد وصارت تؤمن بالعلم والمعرفة طريقاً للتقدم والنهوض ، وليس كرامات السادة وخلفائهم وسلالاتهم المقدسة ، انصرفوا إلى قبابكم وضرائحكم وقصوركم واتركوا السياسة يرحمكم الله .
• نصيحتك للتيار الإسلامي؟
﴿وَلَا تَهِنُوا۟ وَلَا تَحۡزَنُوا۟ وَأَنتُمُ ٱلۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ﴾ [آل عمران ١٣٩]
لقد اكتشف الناس قيمتكم بعد الإطاحة بنظامكم وأحسوا بزوال النعمة بعد ذهابكم واكتشفوا الخدعة الكبرى المسمار بلورة ديسمبر التي لم تكن تملك مشروعا بديلا ولا رؤية جديدة للسودان ما بعد الثورة غير الزعيق الهتاف والشعارات الجوفاء والكراهية والانتقام وممارسة الكذب والتضليل والفساد والتغرير بالشباب والمتاجرة بدالهم من أجل السلطة لم يجن الشعب غير الدمار وزوال الدولة وهوان الحكام وأن ثورة ديسمبر ما هي إلا غطاء لسيناريو استعماري جديد.
• الصهاينة كادوا أن يسيطروا على العواصم العربية ؟
لم يكادوا بل سيطروا عليها عبر أنظمتها وحكامها الفاسدين العملاء ، ولم يتغلغلوا في ضمائر الشعوب المقهورة . ولكنها ستنتفض في وقت معلوم أشار إليه القرآن في سورة الإسراء .
(فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا)
• باعت الخرطوم لاءاتها الثلاث بلا ثمن ، فماذا أنت قائل؟
الخرطوم لم تبع لاءاتها الثلاث ، بل العملاء الذين جثموا على صدر البلاد على حين غرة هم الذين باعوا لاءات الخرطوم بلا ثمن ظناً منهم أن بالتطبيع مع اسرائيل سيدخلون الفردوس الأمريكي ويعيشون في نعيم لكن زادهم الله ذلة وخزياً وفقراً ، جحدوا نعم الله عليهم في بلادهم ورماها وراء ظهورهم وصاروا يتكففون الأمم بحثاً عن القوت ولو بثمن العزة والكرامة والسيادة . فأين قمح إسرائيل ووعود أمريكا الخُلَب بالدعم ومؤتمرات المانيا وباريس واصدقاء السودان والرياض كلها ذهبت مع الريح فأصبحوا نادمين قال تعالى محذراً من مكرهم ﴿فَتَرَى ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِم مَّرَضࣱ یُسَـٰرِعُونَ فِیهِمۡ یَقُولُونَ نَخۡشَىٰۤ أَن تُصِیبَنَا دَاۤىِٕرَةࣱۚ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن یَأۡتِیَ بِٱلۡفَتۡحِ أَوۡ أَمۡرࣲ مِّنۡ عِندِهِۦ فَیُصۡبِحُوا۟ عَلَىٰ مَاۤ أَسَرُّوا۟ فِیۤ أَنفُسِهِمۡ نَـٰدِمِینَ﴾ [المائدة ٥٢]
• نحن شعب لا يزرع ولا يحصد ويأكل من الإغاثات كيف تعلق على هذه الجملة الحزينة كزراعي؟!
نوهنا إلى ذلك كثيراً وقلنا إن العلة ليس في الموارد الطبيعية من مياه وملايين الهكتارات من الأراضي الخصبة ووفرة المياه والغابات والمراعي والثروة الحيوانية والمعاني والنفسية، وقلنا إن الحلقة المفقودة في معادلة التنمية والإنتاج هي العنصر البشري وبالتحديد الإنسان السوداني أي هي قضية ثقافية اجتماعية بالدرجة الأولى ، وتتلخص في مجموعة القيم السالبة التي تسيطر على العقل الجمعي السوداني – نخبه وعوامه – وفي مجملها قيم كابحة للتنمية والبذل والعطاء وهي قيم بدوية لم نصمم لها مشروعاً تعليمياً تربوياً إعلامياً ثقافياً تزكوياً للإحاطة بها واحتوائها ، ولذلك صممنا مشروعاً ثقافياً تزكوياً في خطتنا العشرية الأولى بعنوان مشروع الإحياء الثقافي الذي يربط بين التنمية الثقافية والتنمية الشاملة كشرط لتحقيق النهضة الكبرى ، ذلك لأن التنمية الاقتصادية لن تتحقق ولن تستدام إلا بتنمية الإنسان أولاً وقد نادينا بضرورة التكامل بين حزم السياسات الثقافية وحزم السياسات الكلية للدولة لاستدامة التنمية خاصة في مجال الإقتصاد الذي يشكل محور الحياة للدولة.
قلنا في شعارنا الأول من لا يملك قوته لا يملك قراره والأمم تفقد سيادتها بسبب الفقر والجوع وتكفر بنعم الله قال الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه : إذا ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر خذني معك .
أما في السودان فالفقر حالة في الذهن وفي الطبع وليس فقراً في الموارد كما يقول علماء الإقتصاد الاجتماعي Poverty is a state of mind
وكذلك قدمنا مشروع التنمية الثقافية في الفترة من ٢٠٠١ وحتى ٢٠٠٥ والكثير من دراسات تطوير وتحديث الني التحتية الثقافية وتصويرها لمواكبة العصر .
الأندلس المفقود ؟!!!
كثيرة هي الأندلسات المفقودة في تاريخنا الإسلامي فقبل البكاء على الأطلال علينا أن نقرأ تاريخنا جيداً كيف فتحناها وبنيناها وكيف فقدناها ومازلنا نفقد أعداداً جديدة في آسيا وأفريقيا ولا زال بعض الأعراب العملاء ينفقون أموالهم لتحطيم الدول العربية الإسلامية بالوكالة مع إسرائيل والدول الاستعمارية كما يجري في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا وتونس والسودان وأينما رفعت راية للعروبة والإسلام . ولكن العزاء في أن الإسلام ينتشر بسرعة في أوروبا وأمريكا ديمغرافياً وثقافياً وروحياً ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) صدق الله العظيم .