صباح الليل : إنه الحب : طه الشريف
الحب هو خفقة قلب ورغبة نفس وميول عقل و لمسة جسد و رعشة خواطر .. ثم ينشأ التواصل وتتكسر الحواجز والحب الحقيقي كما يقولون يفعل المعجزات .. ولو قالوا الحب أعمي فإن ذلك معناه الحب يعمي .. أي يجعل المحبين لا يرون غير حبهما وميولهما ورغباتهما وتسقط دون ذلك كل المعوقات والمقدمات والمتاريس وربما المقدسات والمحرمات.. إنه شعور ناعس ولذيذ يتخللك مثل لسعة الكهرباء والبرد .. يغوص في أعماقك كالسحر وينعش روحك مثل النبيذ المعتق .. إنه كائن لطيف وجميل ورقيق تذوب من رقته سطوة الجبابرة وتغوص في عذوبته قسوة الوحوش المفترسة ..والحب لا يعرف الحدود والقيود وليس له غاية سوى الاندماج والتلاشي في المحبوب …الحب يسمو ويجمل كل العلاقات بين الكائنات فالصداقة بدون حب لا معنى لها والزواج بدون حب لا كيان له وكافة العلائق الاجتماعية والتواصل بين المخلوقات لا قيمة ولا معنى له بدون الحب .. ولكن الذين شوهوا الدنيا وغيروا المفاهيم جعلوا الحب بين الرجل والمرأة يعني الجنس وما من احد يقول لفتاة إني احبك حتى تطوف بخاطرها كل مراسيم النكاح والوليمة والبيت السعيد والحياة المليئة بالمال والعيال هذا على أحسن تقدير وألطف تفسير .. أما الباقون فلا يجد أحدهم من تعبير حركي عن الحب إلا اللمسات المثيرة والحركات التي تؤدي إلي طريق واحد إن حلالا أو حرام .. ولكن الحب اكبر من ذلك بكثير .. فالصداقة يجب أن يملؤها الحب والأمومة والأبوة والأخوة كلها يحييها وينعشها الحب .. والدنيا كلها من غير الحب لا فائدة فيها فلماذا يخاف الناس من هذه الظاهرة الجميلة والفضيلة السامية .. السبب بكل بساطة .. لأنهم لم يفهموها كما هي وتاهوا خلف التفاسير الرديئة للقيم النبيلة . تصوروا لو أن أحدكم قال لأنثى أي أنثى (أحبك) ماذا سيحدث بعد ذلك وهل تقبلها منه بمعناها الحقيقي المجرد أم يفسرونها معا بمعناها الاصطلاحي المشوه .. من اجل ذلك أصبح الحب عندنا محاط بمحاذير كلها منبعها الجانب الشرير في البشر . فلم تعد هذه العبارة وهذا الإحساس يحمل نفس البراءة والجمال الذي عليه .. ولذلك صرنا لا نستعمله إلا في مكان واحد ومع شخص واحد وحتى الكلمة غابت عن الاستعمال اليومي بين البشر .فكيف نعيد الحب كائنا حيا يمشي بين الناس ؟ أفيدوني أفادكم الله .