أرهقت نفسك بالوطن

أرهقت نفسك ياصديقي بخطاب الذات الذي لايعرف السرد في عوالم الإنسان المتاهة .. تلك البقعة التي تتكسر تحت أزيزها الأبواب الفاصلة بين الجنة والنار.. فتظل مثل جدار خشبي  يصنعه نجار بوهيمي ليستر به تفاصيل البيت المتحشمة وفي نفس الوقت يسرق النظر  لفتيات الحي ساعة بوحهن بفتى الأحلام والفرس ال (لاندكروزر) الأبيض .. كلما يسبح الخيال في هذا المكان الذي تغيب فيه روابط السرد والبعد عن قوانين المهنية والاحترافية أجد فيه  فعل أمر يحملني على صهوة قلم جامح مغمض العينين يعدو بعمق المسافة ويعلق الزمان في الفضاء البعيد ، ويقصي الحركة والرتابة والأفعال المدروسة ويشعل رغبة إنطلاقه بديناميكية الأحداث ، ثم تتمترس ذبذبات الحركة في المفاصل لتتساوى سرعة الركض بالزمن الوهمي للفضاء والصوت والضوء .. وكلما أدركت حدثا وجدتني أقتحمه في معية النور والصراخ  والفراغ … أرحل حيث تختزل الحركة المكان وتقصي كل لحظات الزمان المتجذرة في حاضر اللحظة .. إنه زمن الصدمة التي غيبت التتابع والتتالي في فعل الذات … إنها حالة ارتشاف للحرية تحدق بعالمنا المضطرب وتسافر بنا إلى عوالم أكثر ألقا ورونقا وبهاء … إنها حالة من وصف الرغبة نحو المستحيل … أدهشني في دهاليز الليل سماع صوت لشيء إسمه الوطن يتكسر ثم ينبعث عبر تحطيم الأركان دوي عميق لحفلة ساهرة قادمة من ضفاف نهر بعيد ميزت فيها صوت الصبايا يرددن خلف المغني … ياوطني يا بلد أحبابي .. في وجودي أحبك وغيابي … النص هنا ينداح في أدب الخطاب ذو الملامح العدمية … إنه الخطاب المحنط منذ تاريخ الحقب البلورية التي روجت للتناقضات … فالوطن هنا ورقة إثبات يخضع للرغبة الوجودية في عمق الحالة الإنسانية التي تشكل في إنعدامها إعلان إفلاس البشر عن بلوغ  فن الإنتماء المنشرح الصدر للتحولات الديناميكية في جينات الكون … إن سخرية الحياة تجعل من البوح في مقامات التتابع الوصفي مقدرة خرافية تجردك من أهلية التحكم في المصير البوهيمي الذي يثقل الوزن بالذات المجهولة الهوية … وفي زاوية أخرى من أزلية الخيار المتناقض تقف نفس الحالة السردية المؤذنة بقدوم واقع جديد ليس مشوها تماما ولكنه يحترق بين لحظة وأخرى… عندما يدير مؤشرات الإحساس بالزمن المغيب والبقعة المغتصبة الذاهبة بما حوته من ألوان الرفاهية والإحساس بالإنتماء … التداخل هنا بين الأبيض والأسود لا يعبر فقط عن ظهور منطقة رمادية ولا إرادة فعل مشترك ولكنها ربما لحظات إنعدام البوح المشترك المندهش بانحسار المسافة والزمن والسرعة قولا واحدا … كما أني هنا لأحتفظ لقلمي بذكريات واقع موثوق به يعبر عن الحزن والفرح والسرورو البوح بفعل واحد خالي من المكان ومعصوب الزمان .. إنها تشبه حالة الحلول الصوفي ولكنها هذه المرة حلول في ذات الوطن الذي كنا نسكنه وبات يسكننا ونسافر به وهو في رحالنا وفي رقابنا وفي غيابنا وحضورنا موسوم بالفرضيات الأزلية .