بقلم: أحمد عبدالوهاب
حديث ذو شجون، دار بيني والاخ الدكتور عبد القادر إبراهيم، القيادي الشبابي البارز بالشرق، وأستاذ الدراسات الإستراتيجية بالجامعات السودانية.. كنا بعد نحو شهرين من نجاح الثورة الا قليلا، في دارته الرحبة نحتسي قهوة شرقاوية َمعتقة، حيث لا حديث في تلك الايام العصيبة الا عن الثورة الوليدة اسبابها ومآلاتها.. كان الرجل متفائلا بنجاحها وقدرتها علي عبور كل التحديات.. وكنت اراها مثل شمعة في مهب غضبة الهبباي.. كان الأخ عبد القادر يرى ان الدعم السريع الذي نجحت به الثورة أولا، سيكون هو ايضا سببا لعبورها نحو المرفأ المنشود.. كان يرى في انحياز (حميدتي) أحد أهم عناصر نجاح الثورة على الإطلاق.. وكان يرى في وجود قوات الدعم السريع صمام أمان للاعتصام.
لقد كان فض ميدان الاعتصام عملية سهلة.. بسهولة إلقاء تحية، وسهولة تغيير البشير بزته العسكرية، لولا انحياز القائد حميدتي الي صف التغيير ، محدثا الفرق، وصانعا النصر.. كان ميدان الاعتصام تجمعا بشريا هشا بلا ضابط ولا رابط.. مجرد حشد بلا هدف ولا رؤية ولا قيادة. وكان سلاح العطش في صيف ابريل الذي لا يرحم كفيل لوحده بجعل الميدان قاعا صفصفا.. من دون الحاجة حتي إلى تطبيق (فتوى) تبيح دم المعتصمين.. ولكن كانت أوامر حميدتي لقواته حاسمة (شكلوا طوقا أمنيا منيعا للاعتصام) يجعل من مهمة دخول كتائب الظل، وغيرها للميدان بصعوبة( دخول الجمل في سم الخياط) او عبور شاحنة( زد واي) عملاقة بكوبري كوستي القديم..
لا شئ يعادل مهمة انجاح الثورة وحمايتها في مهدها ليوم او يومين .. الا صعوبة تأمين ميدان الاعتصام لنحو شهرين.. مهمة عسيرة انجزتها واجتازت اختبارها الصعب قوات الدعم السريع بكل جسارة.. صعب جدا ان تسهر علي حماية خليط غير متجانس وغير منضبط، بين نشطاء مهووسين، وفلول مندسين مع مروجين وقتلة، ومنسوبي حركات مسلحة، واحزاب يسارية، يريدون تصفية حسابات قديمة مع الجيش ومع الدعم السريع، ومع بعضهم البعض.. ضامنين وجود (دروع بشرية) وفرها لهم ميدان الاعتصام.. كانت ستكون مجازر دامية لولا يقظة الدعم السريع..
وقد ذهب كثير من الخبراء، إلى ان حماية الثوار من انفسهم، ومن داخلهم، كانت عملية أصعب من حمايتهم من خصوم خار جيين.
لقد كان الميدان أشبه ما يكون ب(مدرسة المشاغبين) الشئ الذي اغري بعض ادعياء اثورية كالاصم ومدني عباس وغيرهما، بلعب دور (الالفة) سعيا لتلميع صورتهم، والظهور بمظهر البطل من أجل عاجل المغنم.. شان كثيربن يكثرون عند الطمع ويختفون عند الفزع..
وقال الدكتور عبد القادر ان حميدتي بانحيازه للتغيير كان( طارق بن زياد) الثورة أحرق كل مراكبه، وقطع كل خطوط الرجعة ( فإما حياة تسر الصديق)
( وإما ممات يغيظ العدا).
لقد كانت كل الشواهد والمشاهد تقول بان حميدتي الذي لا تنقصه الجسارة ولا الشجاعة، قد اقدم علي مغامرة كبرى، ملقيا كل كروته ومستقبله في ملعب الثوار. واضعا نفسه في مواجهة مباشرة وحتمية مع نظام قوي وباطش، بخبرة ثلاثين عاما مع الانقلابات والمغامرات. نظام سحق عدة انقلابات وافشل عدة محاولات للتغيير.. وساق في ليلة واحدة قرابة ( ثلاثين) ضابطا (للدروة). فيما عرف بانقلاب رمضان. وسحق عَلية الذراع الطويلة اكبر واجرأ عملية غزو للعاصمة منذ معركة كرري ابان المهدية..
كان حميدتي مواجها بعواقب وخيمة، في حال استعادت الانقاذ قبضتها على مجريات الامور، قبل او بعد 11ابريل 2019 م.
كلام اكده الفريق اول حميدتي في رده لبعض النشطاء ومراهقي السياسة، في الحرية والتغيير، بعد احباط انقلاب اللواء بكراوي قال لهم (كنتم ستذهبون للسجون ولكننا كنا سنذهب للمقابر)..
كنا نناقش عظمة الدور الذي قام به حميدتي فداحة التضحيات التي قدمها فداء للسودان وللثوار..
ومع ذلك ستجد مغفلا يكابر، أو أبلها يزايد، أو مستجد سياسة جاهل ينكر كل دور لحميدتي، ويرفض كل خير للدعم السريع.. ويظن جهلا وغرورا أن ثورته كانت ستنجح لامحالة..
ولا يدري هذا المسكين أنه (لا ثورة ولا يحزنون) لولا انحياز حميدتي لها.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون أو ينكرون..
” للحديث صلة”..