حسين خوجلي يكتب : الصحفيونَ السودانيون … قبل الإذنِ بالمغادرة

يجب الاعتراف بأن ساعات الصفاء في أيامِ الجائحة شحيحة، وفي ساعةٍ من ساعاتِها القلائل اقتنص أحد الأخوة الصحفيين منها ساعة فتسامرنا في محنة الصحافة الورقية التي تغادر المسرح تباعاً لصالحِ الميديا الجديدة الباطشة، ومن قلبِ السمر سألني عن مجموعة ٍ من الزملاءِ الصحفيين القدامى والجدد والقادمين وتداعيتُ في الحديث، والحديثُ ذو شجون؛ وقد لحِظتُ بالمكرَ الصحفي الحميد أنهُ كان يسجلُ بهاتفهِ؛ فتذكرتُ حينها مقولة الشاعرالراحل نزار قباني “إن حفظَ الأسرارِ والوفاءِ عندَ الصحفيينَ العرب مثلَ حفظهِما عند الجميلاتِ ضئيل” ولذا فقد بادرتُ بنشرِ ما قلتهُ خوفاً من التزويرِ والتصحيف وتوابل أهلَ المهنة؛ خاصة وأنَ السنواتِ والأحداث المبكيات والقفرِ والفقرِ وعظمَ المطلوبِ وقلة المساعد لم يبقِ للساعدِ والقلبِ والعقلِ بقيةٌ من نزال. فجعلتُ عنوانَ هذهِ الكلمات (الصحفيونَ السودانيون … قبل الإذنِ بالمغادرة):

بشير محمد سعيد:
من المعلوم أن بشير محمد سعيد بدأ حياته معلما، ولذلك يحضر يوميا لمقالته كما يحضِّر الدرس وينتهي المقال بإنتهاء اليوم مثل إنتهاء الحصة.
محمد خليفة طه (الريفي):
الكلمات عند الريفي تخرجُ من شلوخِ الشايقية المتمكنة في وجههِ الوضيء ، وحينَ يوثق مقالتهُ يُغلقُ القلمَ ويكتُب بالطورية ، والمسطرينة ، والبندقية “الأدوات الشهيرة لدى هذه القبيلة الأشهر”.
محمود أبو العزائم:
أكادُ أجزم أن كل مائة عمودٍ صحفي عند الرجل يصلُحُ كِتاباً.
محجوب محمد صالح:
هذا الرجل العريق لهُ مقالة واقعية طويلة جداً جداً جداً في خزانتهِ منذُ أواخرِ الأربعينات يقتطعُ منها في كل يومٍ قضية.
عبدالله عبيد:
هذا صاحبٌ عمود من طرفِ الشارع ؛ العمود الذي تنبعثُ منهُ رائحة الشيشة ، وكوب الشاي بالنعناع ، وعرق العمال في مقهى شعبي في أقصى المدينة.
إبراهيم دقش:
الراحل إبراهيم دقش صاحب عبقرية تحيل الونسة إلى فكرة ، وتحيل الفكرة إلى نكتة ؛ الصحافة عندهُ خربشات بقلم الرصاص ، والرصاص عندهُ خربشات على وجهِ إنقلاب أبيض في مجاهيل أفريقيا.
د.عبدالله علي إبراهيم:
عبدالله علي إبراهيم قلمٌ صاحبُ أنسٍ ومتعةٍ وتجربة وخيال يحبُ الجميعَ أن يبقى حاضراً في الساحة حتى وإن إختلفوا معهٌ في المنهجِ والمعتقد والأسلوبية ؛ وغالباً ما يخفونَ عن الرجلِ مايكتبونَ وما يقولون ، ويهمسونَ إشفاقاً. تكفي الرجل وطأة الجراحُ على الجراحِ والنصالُ على النصالِ ، ورحيل الأحبة ووحشة المهاجر وتفلت الأيامِ والليالي.
فضل الله محمد:
هذا العملاق الموسوعي الذي تقسمت في حُبهِ قلوبُ العارفينَ والعارفات فقد أرادهُ الساسة قائداً ، ورغب فيه الصحفيون نقيباً ، وقدمهُ الشعراءُ حكَماً فاختار الكلمة فمنح بموهبتهِ وشخصيتهِ هذه المهنة إحتراماً وهيبة.
آمال عباس:
معظمَ الصحفيات في بلادنا جئن من بيدرَ التعليم لكنَ آمال عباس من اللائي أتينَ من حديقةِ الصحافة ، كثير من الأعمدة الصحفية تقرأها وتمشي إلا عمود آمال فإنهُ يغريك بأن تحتفظَ به في دولابِ الذكريات.
محجوب عروة:
يكفي عروة فخراً أنهُ ركلَ المالَ والجاهَ والدراسات العليا وإختار فقر الصحافة وشجونها وألسنةِ الخصومِ الجوارح.
حسن ساتي:
قلمٌ نبيلٌ وموهوب لكن المسكين تَفتَحَ في زمانِ الشمولية فلم يستطِع أن يحولَ كُرات البلاستيك إلى ماساتٍ زرقاء.
المهندس الطيب مصطفى:
عُلبة ألوان الطيب مصطفى منذ مرحلة الأساس خالية من الرمادي وعندما اتجه إلى الفكر والكتابة صارت المفردة هو وصار هو المفردة ، الطيب مصطفى قلمٌ بلا مصانعة ولا مداراة (ولا بين بين) ، عندنا نحنُ أهل الصحافة “إن أحلى الشعرِ أكذبه” وعند الطيب “أعذبُ الشعرِ أصدقهُ ، وأمضى الفكرِ أصلبهُ” .
إسحق احمد فضل الله:
مقال إسحق أحمد فضل الله يعتبره أهل الفقه إجتهادا وأهل السياسة فانتازيا وأهل الأدب قصة قصيرة.
أمين حسن عمر:
أمين حسن عمر يكتب وفي خلده مسبقاً أن أول ثلاثة يقرأون له إبن تيمية ، والترابي ، ومحمد عابد الجابري، ولذلك تخلد مقالات الرجل.
محمد طه محمد أحمد صاحبُ الوفاقِ:
عندما أتذكر سيرة الراحل محمد طه يصعب علي تصنيفهُ بأنهُ صحفيٌ أو كاتبٌ لا غير فالرجلُ “حالة” وليس صاحبَ مهنة ؛ فكأنهُ نزلَ من طقسٍ خرافي ليُضيفَ للمشهدِ السياسي والصحافي والإجتماعي الكثير من الغموض والغرائبيات. وعندما رحل محمد لتلك الطريق المفجعة أغلقتُ الباب وبكيتُهُ طويلاً متدثراً ببيتِ عائشةِ أم المؤمنين عندما جاءها خبر مقتل علي بن أبي طالب “وألقت عصاها واستقر بها النوى .. كما قرَ عيناً بالإيابِ المسافر”.
عبدالمحمود نورَ الدائم الكرنكي:
ليس هنالك صحفي وكاتب في الصحافةِ السودانية منذ أن بدأت إلى اليوم يحرصُ أن تكون كتاباتهُ تحالفا كيميائيا ما بين المفردةِ الذهبية والمعلومة الموثقة والمغزى العميق غير الكرنكي. وشهادتي غير مجروحة في كرنكي فصداقتنا منذ أيام الطلب لم تدخل عائقاً بين محمود الكاتب وحسين القارئ ولو كان في السودان دار نشر ذكية ورسالية فعليها أن تطبع كل كتابات الكرنكي وتوزعها على كل العالم العربي وتترجمها للآخرين ففيها رزقٌ ممتد وصدقةٌ جارية.
أحمد البلال الطيب:
كل العاملين بحقلِ الصحافة توسلوا بالأدبِ والشعر والمحسنات إلا البلال فقد ظل وفياً للمفردة الإحترافية والحقيقة المجردة والمشهد العاري إلا من كساءِ الوضوح ، وتظل أخبار اليومِ للبلال واحدة من أصدق الوثائق للوقائع السودانية ؛ رد الله غربة الرجل وأبعدَ عنهُ حسد الحاسدين وشماتةِ الشامتين.
كمال حسن بخيت:
هو الذي صعد وتصاعد بصحافة المنوعات فجعلها ترفُلُ أميرةً في ساحات الصحافة السودانية وعبر سطورها القليلات جعل الجماهير يقرأون في الشعر والفن والحياة ، ومثلما كان متمهراً في إكتشاف العقول الجميلة والوجوه الجميلة، كان جميلا يرى الوجود جميلا. عزيزي كمال (ما زال المقعدُ شاغراً).
محي الدين تيتاوي:
سيظل محي الدين تيتاوي عمدة الصحافةِ السودانية فقد كانت شخصيتهُ القوية المتماسكة تُغري شباب الصحافة بالإنتماء لهذه المهنةِ المرهقة التي تغطت بالتعب .
مرتضى الغالي :
الدكتور مرتضى الغالي صاحب العمود الأشهر (مسألة) مرتضى صاحب موهبة بأسلوبٍ دفاقٍ بجمال التعبير والنفاذِ المباشر صوبَ القضية ، ورغم أن موهبتهُ قد إتَقَدَت في الزمانِ المايوي الشمولي إلا أنهُ إستطاعَ بذكاءٍ أن يفرق ما بين متطلبات السُلطةِ والدولة ، ورُغم ما يتعرض لهُ الرجلَ من هجومٍ ، ورُغم كتاباتهِ القاسية ضد خصومهِ وأنا منهم إلا أن مرتضى في ظني يظلُ رقماً في الصحافةِ السودانية يستحقٌ التوثيق.
فتح الرحمن النحاس:
النحاس عندما تقرأ لهُ مقالاً تقرر ألا تقرأ لهُ المقال القادم ، وفي اليومِ التالي تجد نفسكَ مدفوعاً لقراءةِ المقالِ الجديد ؛ النحاس له سحرُ قهوةِ الصباح.
محمد لطيف:
هو من أبرع الصحفيين السودانيين الذين يستطيعون تحوير دراسة الجدوى إلى عمودٍ صحفي وبنكنوت
مصطفى أبو العزائم:
مصطفى أبو العزائم من جيل الكتاب الذين يبشرون بفكرة أن تعقيدات الكتابة تكمنُ في سهولتها .
عثمان ميرغني:
الصحافة والكتابة عند عثمان ميرغني مشروع هندسي يتصفُ بالدقةِ و زهو المختصينَ الأكفاء ، حديثُ المدينة يشغل الناس 24ساعة دون أن يضايق بصيتهِ مقال اليوم القادم .
الصادق الرزيقي:
الصادق الرزيقي الكتابةُ عندهُ نظرٌ عميق في إناءٍ أنيق وهو من الصحفيين القلائل الذين يتمترسون بمنصة الثقافة والقضية.
الحاج وراق:
قلمٌ رصين يكتبُ من دائرة الجدارة أرجو أن لا يفجعنا بتبديد وقتهِ الثمين مترافعاً عن بعض القضايا الخاسرة.
حسين ملاسي:
أول مرة أقرأ لصحفي يغير طلقة الرصاصة إلى نقطة حبر لتؤدي ذات الدور القاتل .
محمد محمد خير:
مقالة محمد محمد خير (مزة فِشار وفول مدمس) في قعدات الصحافة وصحنٍ من الثريد في منتديات الشعر والحكاية والنشيد ؛ محمد محمد خير ملحٌ في طبخةٍ مجودة بيد جميلة ماهرة.
سعد الدين إبراهيم:
كان عليه الرحمة بقليلٍ من الجهد يستطيع أن يصنع من كل مقالٍ يكتبهُ قصيدة.
أ/منى أبو العزائم:
صحفيةٌ تمارس المهنة بقلبٍ سليمٍ وقلمٍ قويم.. (وخيرُ الحديثِ ما قلَ ودل)
عادل الباز:
عادل يكتُب مقالتهُ ويعلق بعدها ضاحكاً هذه لي ولأصدقائي وخصومي وليذهب الآخرون للجحيم.
علي ياسين:
الأستاذ علي يس صحفي أتى صاحبة الجلالة من رواق الشعر والطب وآثر في صبرٍ وجلد عوذ الصحافة والاعلام، كنا نسميه صحفي الصحفيين مثلما كان المطربون يسمون العاقب فنان الفنانين. مشكلة علي يس الوحيدة أتى في زمان غير زمانه ومكانٍ غير مكانه
أحمد عبدالوهاب:
إني أشهد بأن الأستاذ أحمد عبد الوهاب ما نالهُ من مهنةِ الصحافة أقلَ من قامتهِ الصحفية وموهبتهِ بكثير.
مزمل أبو القاسم:
يا أيها المزمل إنك قلمٌ يعلق على صدرِ الصحافةِ الرياضية رصانة يفتقدها هذا القطاع ، وتُعلق على صدرِ الفترةِ الإنتقالية شجاعةٌ يفتقدها قطاع الصحافة في هذا الزمانِ الرمادي مهيضِ الجناح.
عبد الماجد عبد الحميد:
هذا الفتى الأسمر يكتب المقالة القاسية وهو يبتسم ويكتبُ بعدها المقالة الأنيسة وهو ينتحب .
صديق دلاي:
آخر المواهب في الجيل الرابع من الصحفيين الذين منحوا حوار الشخصية ألقهُ القديم فقد تجاوز بطريقته الساحرة في الإختصار كل حواشي القول الذي لا معنى له .. الحوار عند صديق دلاي من الذهب عيار 24 فهو مزيجٌ من القصة ، والمادة الخبرية ، والسيناريو ؛ وأي مشروعٍ إعلامي كبيرٌ وناجح لا يكون دلاي أحد أعمدته مشروعٌ مكتوبٌ عليه التواضع ولا أقول الفشل.
يوسف عبدالمنان:
يوسف دخل الصحافة من باب الجندية ولذلك ظل إلى اليومِ قلماً مقاتلاً ومناضلاً فيه غموض الغابة وحرارة الصحراء بإختصار يوسف عبدالمنان صحفي (مالي قاشو).
بكري المدني:
رُغم إنجازاته الصحفية الباهرة التي دسها في عقول المهتمين بالحبر والأوراق إلا أنه يمنحك الإحساس بأن خيرهُ الصحفي قادم ، بكري من الأقلام التي فيها نَفَسَ الرجاء وأحلامَ الغد .
الطاهر ساتي:
الشعارُ الذي نعلمهُ ويخفيه عنا الطاهر دقاتُ قلب هذا القلم قائلة لهُ إن المقالَ دقائقٌ وثواني.
أشرف عبدالعزيز:
رغم موضوعية الآداء وتواضع الرجل فإن الكتابةَ عنده بالدوشكا أبلغ، أشرف يخفي بيت أبي تمام عن الجميع، ولكن مصادرنا الصحفية كشفتهُ (السيفُ أصدقَ أنباء من الكتُبِ .. في حدهِ الحدُ بين الجِدِ واللعبِ)
ضياء الدين بلال:
ثلث قلبه مع الحقيقة والثلث الآخر مع الحب الكبير والثلث الأخير مع الرواية .
الهندي عز الدين:
الهندي لا يطلقُ مقالاً حتى يتأكد تماماً بأنه يسبب الوجع الأقصى لخصومه .
محمد عبدالماجد:
يكتبُ مقالهُ السياسي لأهل الكورة ويكتب مقاله الرياضي لأهل السياسة ( فيا ليتهن ويا ليتني).
حسن إسماعيل:
المقالة عند حسن إسماعيل لها كل الشروط الموضوعية التي تجعلها مقرراً في كليات الصحافةِ والإعلام .
الطاهر حسن التوم:
بعد أن تقرأ ما يكتب ينتابك الشعور المفصح القائل (أنا صحفي رغم أنف التلفزيون).
سهير عبدالرحيم:
ظللنا زماناً نحتملُ نزقها الصحفي ولؤم كلماتها وبعد كل هذا الصبر على جراحها صارت أخيراً صحفية يشارُ لها بالبنان.
شمائل النور:
شمائل النور معركةٌ محتدمة بين طلاقة التعبير وقيد الفكرة.
اشراقة النور:
عندما التحقت بألوان لم تترك لي صديقاً في الوزراء والساسة وأهل المال والاقتصاد، حتى جفت أوراقها من الاعلان. وعندما كانوا يقتحمون مكتبي غاضبين أشير إليها قائلاً: هذه هي اشراقة بت من أولاد أمدرمان، وتظل اشراقة المهاجرة واحدة من أميرات الصحافة السودانية.
تنويه:
لقد قمتُ دون إذنِ من أحد بترتيبِ الأسماء حسبَ المزاج والسليقة غير المتهمة وعمر الصحفي والصحيفة، دون أي إعتباراتٍ أخرى، ودون الرجوع لشهادات الميلاد والتسنين وللحديثِ عن البقية . بقية .