حسين خوجلي يكتب: عزيزتي الجمعة تحيةً واحتراما “لا يخشون”

 

اشتهر الكثير من العلماء بالتظارف وخفة الدم المزيفة لاستعطاف الحكام، وقليلٌ من العلماء الفضلاء هم الذين لا يخشون النصيحة وإن كانت قاسية عليهم وعلى الحاكم ومنها:

ألح الذباب على المنصور في مجلسه حتى اضجره. فقال: انظروا من بالباب من العلماء.

فقالوا: مقاتل بن سليمان. فأدخلوه وابتدره بالسؤال: لماذا خلق الله الذباب؟

وعاين مقاتل تبرم المنصور فأجابه:

لكي يذل به الجبابرة..!!

“الفصل بين السلطات”

للجماهير وسائلها في السخرية والازدراء من الجهاز القضائي حين يكون مواليا للسلطان ومجافيا للعدالة وقيم الشجاعة التي يجب أن يتحلى بها القاضي دون رغبة أو رهبة.

ومن الحكايات التي تدين المخضعين السلطة القضائية للسلطة التنفيذية تعليق النخاس (بائع الحيوانات) حيث أتاه ابو موسى المكفوف فقال له: اطلب لي حمارا ليس بالصغير المحتقر ولا بالكبير المشتهر إن خلا له الطريق تدفق وإن كثر الزحام ترفق، لا يصدم بي السواري ولا يدخل بي تحت البواري، إن اكثرت علفه شكر وإن قللته صبر. إن حركته هام وإن ركبه غيري نام

فرد النخاس: يا ابا عبدالله فإن مسخ الله قاضي القضاة حمارا اصبت حاجتك..

“ضحايا المحاصصة”

كثيرون من شباب التغيير والحق يقال من امثال دكتور وليد مادبو والدكتورة ابتسام السنهوري ودكتور محمد الأصم وهشام شمس الدين ومعمر موسى وهيثم مصطفى كانوا يستحقون بالفترة الانتقالية أن يتقدموا الصفوف وينالوا المناصب تمثيلاً رامزاً لأحلام الشباب التي اغتالها حسد الأحزاب العجوزة والمحاصصة الجائرة.

وفي الأثر العربي أمثلة لتواضع الوفود وهي تقدم شبابها في الريادة ويرضى الأمير حين يسمع المرافعة.

فقد حضر عند عمر بن عبد العزيز وفد من الحجاز اختاروا غلاما منهم ليتكلم عنهم. وحين هم الغلام بالكلام اعترضه عمر قائلاً:

مهلاً يا غلام ليتكلم من هو اسن منك

فرد عليه الغلام:

مهلاً يا أمير المؤمنين انما المرء بأصغريه لسانه وقلبه، ولو كان التقدم بالسن لكان في هذه الأمة من هو اسن منك

فقال عمر مبتسماً: تكلم

“دورة حتمية للعرسان”

اكتشف المجتمع الماليزي أن حالات الطلاق قد تزايدت جدا وسط العرسان الشباب فقرروا اقامة دورة حتمية لأي شاب وشابة قبل عقد قرانهم لتعليمهم وتدريبهم نظرياً على أسرار العالم الجديد المقبلين عليه.

وكانت دهشة الجميع عظيمة حين انحسرت حالات الطلاق الى نسبة ضئيلة جدا فلماذا لا نأخذ هذه التجربة لبلادنا ونقرنها بتجربتهم الاقتصادية الناجحة حتى نحارب الثلاثي اللعين : (العزوبة) والعنوسة والبطالة

ولنا إرثٌ في الدين والتجارب ما يكفي لهذه الدورة ويفيض، ومنها وصية هذه المرأة الحكيمة لابنتها العروسة:

أي بنيّــة .. إنك قد فارقت بيتك .. الذي منه خرجت .. ووكرك الذي فيه نشأت ..

إلى وكر لم تألفيه .. وقرين لم تعرفيه ..

فكوني له أمة .. يكن لك عبدا ..

واحفظي له عشر خصال .. يكن لك ذخرا ..

أما الأولى والثانية .. فالصحبة بالقناعة والمعاشرة بحسن السمع والطاعة ..

أما الثالثة والرابعة ..

فالتعهد لموقع عينيه .. والتفقد لموضع أنفه ..

فلا تقع عيناه منك على قبيح

ولا يشمن منك إلا أطيب ريح

والكحل أحسن الحسن الموصوف

والماء والصابون أطيب الطيب المعروف

 

وأما الخامسة والسادسة ..

فالتفقد لوقت طعامه .. والهدوء عند منامه ..

فإن حرارة الجوع ملهبة .. وتنغيص النوم مكربة ..

وأما السابعة والثامنة ..

فالعناية ببيته وماله .. والرعاية لنفسه وعياله ..

أما التاسعة والعاشرة .. فلا تعصين له أمرا ولا تفشين له سرا ..

فإنك أن عصيت أمره أوغرت صدره

وإن أفشيت سره لم تأمني غدره ..

ثم بعد ذلك .. إياك والفرح حين اكتئابه والاكتئاب حين فرحه .. فإن الأولى من التقصير والثانية من التكدير ..

وأشد ما تكونين له إعظاما .. أشد ما يكون لك إكراما ..

ولن تصلي إلى ذلك حتى تؤثري رضاه على رضاكي .. وهواه على هواكي ..

فيما أحببت أو كرهت ..

والله يصنع لك الخير واستودعتك الله

“محتويات”

أجمل عنوان لهذه الحكاية خطر على بالي تعليق (الكلام على الشماعة) فقد نظر معاوية بن أبي سفيان إلى البجاد بن أوس الخطيب النسابة في عباءة رثة وهو يجلس في زاوية من المجلس.

فألقى علية نظرة تبينها البجاد فرد عليه:

يا أمير المؤمنين إن العباءة لا تكلمك.. إنما يكلمك من فيها

 

“الله كريم كانت كافية”

في بعض (الشحادين) لؤم وفي رد بعض الناس غباء فقد قرأت إجابةً لئيمة لشحاذ على اعتذارٍ غبي فقلت في حق المجيب (تستاهل)

فقد وقف شحاذ على منزل وسأل أهله أن يعطوه شيئاً فخرج اليه صاحب المنزل وقال معتذراً اليه: إن أم الصبيان ليست هنا

فرد الشحاذ: اصلحك الله سألتكم كسره وخبز ولم أسألكم المجامعة

 

جبارٌ وخليفة”

وقد اكتفيت تعليقا على هذه الاقصوصة بتعليق السودانيين الظريف ( سنة يا الحيطة!)

عن عبدالله بن عياش قال المنصور يوما ونحن عنده: اتعرفون جبارا أول اسمه عين قتل ثلاثة جبابرة أول اسمائهم عين؟

قلت: نعم! عبد الملك بن مروان قتل عمرو بن سعيد وعبدالله بن الزبير وعبد الرحمن بن الاشعث.

فقال المنصور: أتعرفون خليفة أول اسمه عين قتل ثلاثة جبابرة اول أسمائهم عين؟

قلت: نعم! أنت يا أمير المؤمنين قتلت عبد الرحمن بن مسلم وعبد الجبار بن عبد الرحمن. وعمك عبد الله بن علي سقط عليه البيت.

وهنا اعترض المنصور: فما ذنبي إن كان سقط عليه البيت؟

قال ابن عياش: لا ذنب لك

وكان مقتل عبدالله قد تم بتدبير من المنصور

“ثلاثون”

جاء فقيه إلى المهدي بن المنصور وقال إن لديه بشارة له وهي أن حكمه سيدوم ثلاثين عاماً. فسأله المهدي الدليل على ذلك فأخبره انه سيرى ذلك هذه الليلة في نومه. وصح ما توقعه الفقيه اذ رأى المهدي مناما يشير الى ان حكمه سيدوم ثلاثين عاما. وارسل في اليوم التالي إلى الفقيه فعينه قاضيا.

عندما سئل الفقيه من بعض خلصائه عن سر ما حصل للخليفة في نومه قال: انكم لا تعرفون هذه المخاريق

وشرح لهم انه حين اخبره بهذه البشارة انشغل بها ذهنه وظل يفكر فيها قبل أن ينام فرآها في نومه

(ومن المعروف أن خلافة المهدي دامت أقل من ثماني سنوات!)

 

ومن الحكام الذين دام سلطانهم ثلاثين عاما ودال بتدبير خفي من قادة عسكرهم عمر البشير السوداني والسلطان عبد الحميد التركي. ولشوقي قصيدة بليغة في الانقلاب العثماني وتعزية عبد الحميد تصلح للتأمل والاعتبار وبيت القصيد فيها:

 

سُدتَ الثَلاثينَ الطِوالَ : وَلَسنَ بِالحُكمِ القَصيرِ

تَنهى وَتَأمُرُ ما بَدا لك : في الكَبيرِ وَفي الصَغيرِ

لا تَستَشيرُ وَفي الحِمى : عَدَدُ الكَواكِبِ مِن مُشيرِ

كَم سَبَّحوا لَكَ في الرَواحِ : وَأَلَّهوكَ لَدى البُكورِ

وَرَأَيتَهُم لَكَ سُجَّداً : كَسُجودِ موسى في الحُضورِ

خَفَضوا الرُؤوسَ وَوَتَّروا: بِالذُلِّ أَقواسَ الظُهورِ

ماذا دَهاكَ مِنَ الأُمورِ : وَكُنتَ داهِيَةَ الأُمورِ؟

(وما اشبه ليلة اسطنبول ببارحة الخرطوم)