عضو مجلس السيادة ابراهيم جابر: يجب مناقشة وصناعة الدستور قبل نهاية الفترة الانتقالية

الخرطوم : الوان ديلي

دعا عضو مجلس السيادة الفريق بحري مهندس ابراهيم جابر،  للبدء في نقاش وصناعة الدستور السوداني منذ اليوم بدلا عن نهاية الفترة الانتقالية بعد ثلاث سنوات كما تريد بعض القوى السياسية .

وأكد في حوار صحافي مع “القدس العربي” في مكتبه في القصر الرئاسي في الخرطوم، انهم ليس لديهم عداء مع الولايات المتحده الأمريكية وان العلاقة بينهم تتطور كل يوم نحو الأحسن وتوقع أن يرفع السودان من لائحة الاٍرهاب قريبا جدا .

وأشار جابر إلى ان قيم الثورة السودانية لم تخرج من الخرطوم وان أيادي تعبث بدارفور لإعادتها الى العنف القبلي والحروب الأهلية ودعا السودانيين لنشر قيم الثورة السلمية في الأقاليم.

وشدد على ضرورة ان تبتعد الأحزاب عن القوات المسلحة السودانية التي يجرم قانونها الانقلابات العسكرية وان دورهم سينتهي بكتابة الدستور وإجراء الانتخابات وتسليم السلطة لقوى مدنية منتخبة.

وامتدح العلاقة بين المدنيين والعسكريين وان القرارات تتخذ بصورة توافقية وأنهم في طريقهم لإكمال هياكل الحكم المدني بتعيين المجلس التشريعي بعد توقيع السلام الذي بات قريبا.

ووضع جابر الذي أدار الاقتصاد السوداني بنجاح كبير عقب سقوط البشير خريطة طريق للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية بعد ان قام بتشريح الاقتصاد السوداني وتقديم روشته للانطلاق به للأمام.

وفي ما يأتي نص الحوار:

*الوضع الاقتصادي يشهد ترديا كبيرا كيف تنظر له وأنت أحد الذين أداروا اقتصاد السودان بعد سقوط البشير وهي الفترة التي شهدت استقرارا اقتصاديا كبيرا؟

**ورثت الثورة نظاما اقتصاديا منهارا في كل المناحي وكان العلاج عبارة عن مسكنات وتواصل الدعم لفترات طويلة جدا، وكان حجم موازنة السودان العام الماضي حوالي 9.6 مليار دولار، هذا المبلغ حال دون وضع خطة علمية ودراسة وتدقيق لإمكانات السودان الموجودة والتي يمكن تحقيقها، فمن ناحية الثروة المعدنية فالبلد غني بالذهب الذي يمكن أن يوفر 4 مليار دولار. الأمر الآخر في طريق الرفاه الاقتصادي يتمثل في الزراعة بشقيها المنتجات الزراعية والإنتاج الحيواني يمكن ان تغطي نسبة كبيرة في الموازنة.

*اذن اين المعضلة التي تحول دون ذلك؟

**المشكلة الكبرى التي يعاني منها السودان أننا تعودنا ان نقوم بتصدير كل منتجاتنا عبارة عن خام والذي بدون قيمه مضافة له ستكون أسعاره غير مجزية، ولكن بقليل من الجهد وتبني سياسة تقويم عبر إنشاء الصناعات الصغيرة وتقديم محفزات للمستثمرين وبناء وتعبيد وصيانة الطرق يمكن ان تتحصل الدولة على مبالغ طائلة.

*وماذا بالنسبة لما يقال عن تأثير وضع السودان في نظر المجتمع الدولي ولائحة العقوبات الأمريكية ووصمه بالإرهاب؟

**طبعا، السودان بهذه الامكانات الكبيرة يحتاج إلى تحسين الصورة الذهنية العالقة في العالم عنه التي نتجت من السياسات الرعناء الخاصة بتبني الإرهاب وما تبعه من حظر مالي وقع على السودان وهي من الأمور المنفرة عنه، ولكن الحمد لله هناك محفزات أخرى تتمثل في الأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة، وإذا قمنا بتعديل قوانين الاستثمار وهو ما نعمل عليه الآن عبر تعديلات تقدم صيغا جديدة للاستثمار يمكننا جذب رؤوس أموال كبيرة جدا.

أيضا نجد ان السلام والصرف على المجهود الحربي أقعد بالسودان كثيرا، ولكن بعد تحقيق السلام يمكن ان تعود هذه المدخرات إلى خزينة الدولة لتعمل في دعم الخزينة العامة وتقليل الصرف.

*هل هذه آخر المعوقات؟

**أبدا. سياسة الدعم التي كانت متبعة بالإضافة للنزيف الذي كان يحدث في الخزينة العامة من نتيجة فرق سعر العملة الذي يشجع المهربين على أن يقوموا بتهريب الوقود إلى دول الجوار لاختلاف السعر، وهذا أمر محفز بالنسبة لهم، وبالتالي لو نظرنا للعالم اليوم ولو أخذنا سعر الوقود في الخرطوم مقارنة مع دول الجوار نجد انه أعلى من الخرطوم بضعفين.

*مقاطعة .. يبدو من سياق حديثك أنك تؤيد سياسة رفع الدعم عن المحروقات؟

**نعم. إذا كانت الدولة تصرف مليارين ونصف مليار دولار للوقود ما يعود من مبيعات هذه الكمية هو 20 في المئة فقط تعود للدولة، السؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا تفعل الدولة في الشهر المقبل؟ ليس هذا فحسب حتى الكهرباء نجد أن السياسات التي كانت ممنهجة اعتمدت على التوليد الحراري وهو مكلف جدا، ولم يكن هناك توجه نحو التوليد المائي أو التوليد بواسطة الفلير غاز من آبار البترول وهما وسيلتان بسعر معقول، ولهذا نجد أن الكهرباء تحتاج لعمل ومنهجية جديدة حتى لا يتضرر المواطن البسيط لأنها احتياج ثابت، وبالتالي لابد من عمل يوازن بين عدم الإضرار بالفئات الضعيفة من المواطنين وتوفير أموال من عائدات بيع الكهرباء بسعرها الحقيقي للتوسع ولتوليد الطاقة اللازمة لدوران عجلة الصناعة ما يقود لتحريك الاقتصاد وهي موازنة صعبة لكنها مطلوبة.

*لكن بعيدا عن ذلك وقريبا من المواطنين، إلا ترى ان ارتفاع درجات البطالة يؤثر على الاقتصاد بشكل كبير، وما هي المعالجة لها وهي إحدى شرارات الثورة ومطلب حيوي فيها؟

**نعم. العدد الكبير من العاطلين بشكل عام والخريجين بشكل خاص، وخروجهم من الدائرة الاقتصادية هو واحد من المشاكل التي عقدت الاقتصاد، لدينا خريجون لهم 10 و15 عاما بلا عمل، لكن حل هذه المعضلة يتأتى وبالتالي إذا وضعت استراتيجية لتطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وهي واحدة من أدوات دعم الاقتصاد ومساهمتها ستكون كبيرة بجهة خلقها فرصا للشباب، ولتقريب الصورة انظر للسودان تجده ينتج طماطم خالية من المخصبات وبالتالي يمكن ان تدخل في دائرة الصناعات الصغيرة التي لا تحتاج مساحات زراعية كبيرة أو رؤوس أموال هائلة.

*هل تقصد أن يمتلك الشباب هذه الشركات الصغيرة أو المتوسطة؟

**لا. يمكن إنشاء مصانع للشركات الصغيرة والمتوسطة عبر توفير الحافز لرؤوس الأموال الوطنية والأجنبية والضمان الذي يمكنهم من أداء عملهم بكفاءة ما سيقود بدوره لتشغيل أكبر عدد من الخريجين ان كان ذلك في الزراعة أو في الصناعة، ويمكنك أن تلحظ بغير عناء الآن أن كل الشباب والخريجين يعملون في أعمال هامشية وهم من يمكن استيعابهم في منظومة الصناعات الصغيرة، وهي كانت موجودة في السودان في السابق حيث كنا نجد صناعة الصابون والزيوت بمختلف أنواعها وهي صناعات يمكن أن تتطور في السودان لوجود المواد الخام وهي طبيعية ومطلوبة في السوق العالمي.

وكذلك الحال في الزراعة يمكن استصلاح ملايين الهكتارات عبر محفظة من البنوك وبعملة محلية تقوم بتسوية وتحضير الأرض ومد مواسير الري أو الآبار ووضع سياسة من الدولة تحت إشراف وزارة الزراعة وزارة المالية، ولابد ان تكون محددة المنتج وهذه المشاريع يمكن تسويقها للشباب عبر التمويل الأصغر أو إلى رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية على أن تكون آلية الإدارة والسيطرة وتقويم الاقتصاد تحت مسؤولية الدولة.

*هل هذا يقتصر على الإنتاج الزراعي أم يتعداه لمجالات أخرى؟

**أبدا. تحرك الإنتاج الزراعي ينعش دورة الإنتاج الحيواني ما يقود لتوسعة المسالخ ومصانع اللحوم والاستفادة من الجلود عبر الشركات الصغيرة والمتوسطة، وإذا نظرنا للجلد الواحد الذي يمكن ان يصنع على الأقل خمسة أحذية، انظر لتجربة شركة “كلارك” خرجت من انكلترا ومضت لتستثمر في فيتنام، ماذا فعلت جلبت معها التكنولوجيا للمصانع وصارت تصنع الأحذية التي يصل سعرها 110 دولارات للزوج، ونحن لدينا الخام من جلود وأيدي عاملة، ان استطعنا جذب رؤوس الأموال والتكنولوجيا يمكننا تكوين منظومة متكاملة والتي بالإضافة لمساهمتها في الاقتصاد يمكن ان تشغل آلاف الشباب بجانب نقل التقانات الحديثة. والأمر الآخر يمكن عبر المسالخ استخدام مخلفات الذبائح لتكون مخصبات للتربة، وهذه المواد الثلاث متوفرة لدينا، ان كان المواد الخام أو الأيدي العاملة ما نحتاجه هو تطمين رأس المال عبر القوانين والاستقرار وبعدها يمكننا قيادته للاتجاه الصحيح.

*هل من معوق آخر أو حلول أخرى؟

**واحدة من معقدات الاقتصاد هي رداءة الطرق وعدم وصولها إلى مناطق الإنتاج، ويمكن معالجتها عبر الولوج في نظام (البوت) وهو نظام معمول به عالميا، حيث تعمل الشركة على بناء الطرق تحت إشراف ومواصفات وزارة الطرق والبنية التحتية وبعد الانتهاء من الطريق تستخلص مستحقاتها خلال تشغيله في 15 أو 20 عاما ثم تعود للدولة بعد صيانتها التي تكون دورية، وهذا يحقق وجود طرق معبدة ما يقود لنقل الطن من أقصى غرب السودان إلى الميناء في الشرق بقيمة بسيطة جدا، ويكون المستثمر مستفيدا بتأجير الطريق ويكون المنتج في أقاصي السودان مستفيدا بتصدير إنتاجه وجلب عملات صعبة، كما يمكننا تحسين وتطوير السكة حديد للمساعدة في هذا الهدف والمعروف انها أرخص وسائل النقل على مستوى العالم.

*الولايات تشهد مشاكل كبيرة واقتتالا أهليا وأنت عائد من جولة في ولايات دارفور، كيف تنظر لهذا العنف الذي استشرى؟

**زيارتنا بدأت بالفاشر ومنها إلى فتو برنو والتي شهدت اشتباكات بين مجموعتين بسبب اعتداء واحدة على الأخرى. ولكن عموما ما لحظته وجود أيادي هناك تعبث بالوطن وتريد ان تدفع السودان إلى صراع اثني وقبلي. جلسنا مع المعتصمين بعد ان هوجموا وقمنا بالعزاء في الشهداء وعاودنا الجرحى وتحدثنا بشفافية وحديثنا كان يتركز على المحور الأمني عبر تلبية طلبهم للحماية الشخصية وللمزارع والمشاكل هذه كانت في السابق تحل عبر الإدارات الأهلية الذين كانوا يعرفون حدود الراعي والمزارع وبين المسارات للرحل وفي السنين الأخيرة ظهر منفلتون من هنا وهناك يثيرون المشاكل التي تقود إلى تفاقم المعضلة بين مكون قبلي كامل ضد مكون آخر.

*هل من مطالب محددة لهم في الاعتصام؟

**نعم. استمعنا إلى طلباتهم وهي مهمة جدا وواجبة التطبيق مثل الحاجة للمستشفيات وآبار للماء وزيادة مكون الشرطة والمدارس والطرق، ونحن توافقنا مع شباب اعتصام قتو برنو واستجبنا لكل مطالبهم ووجهنا بتنفيذها، وبعدها جلسنا معهم وكونا آلية بين المكونين وذكرناهم بانهم يعيشون لسنين مع بعض وأصلا النزاعات قديمة ومتجددة لذا كونا آلية منهم تضم النازحين والحرية والتغيير والشباب لحل الخلافات وإذا حصل أي تعد على مزرعة أو مرعى ترفع للجنة. وطالبوا بلجان تحقيق وشكلناها فعلا، لكننا وجدنا ضعفا في عدد وكلاء النيابة وضاعفنا عددهم وكذلك قوات الشرطة.

وفي كتم وجدنا الوضع سيئا جدا حيث قام المواطنون بحرق مركز الشرطة وأكثر من 17 عربة وتحدثنا إليهم بأن هذه الثورة هي ثورة وعي، ولا يمكنكم حرق ممتلكاتكم التي هي ممتلكات الدولة، وإذا كانت لديكم مطالب هناك عدة طرق للتعبير منها الاعتصام والتظاهر السلمي وكتابة المذكرات ورفعها للمحلية أو الولاية والحق مكفول وفق القواعد السلمية والديمقراطية مع عدم استخدام الألفاظ والشعارات التي تدعو للفرقة والشتات. وطالبنا أخوتنا في الحرية والتغيير بنشر الوعي وان يكون هذا دورهم وان الأمن مسؤولية الجميع ولديهم قضايا مطلبية تتعلق بتوفير الكهرباء والمياه والمستشفى وطالبوا باستكمال مسافة في طريق من الفاشر إلى كتم وسنقوم بتوجيه وزارة البنية التحتية للقيام بذلك.

*ما هو أكثر ما لاحظته خلال هذه الجولة من ناحية سياسية؟

**دعني أقول بوضوح، أنا أعتقد ان هذه الثورة لم تغادر الخرطوم كثيرا، وهنا لابد ان تعمل التنسيقية الإعلامية التي هي مطالبة بعمل كبير جدا بالذات في الولايات، لأن الايقاع الموجود في الخرطوم ليس مثل الذي في الأقاليم. هناك أناس حاولوا أن يقودوا ثورة الوعي إلى اتجاه للاحتراب والاقتتال وتصفيات اثنية، وهذه مفاهيم يفترض نحن نزيلها ونحتاج في ذلك إلى عمل كبير جدا على الأرض وطالما هي ثورة وعي يجب ان ينتشر في كل أقاصي ومدن وقرى وحلال وفرقان السودان.

* هناك تخوف من عودة العنف ما هي التحديات التي ستواجه الولاة المدنيين وما هي نصيحتك لهم؟

**بصراحة نحن تأخرنا كثيرا في تعيين الولاة المدنيين والثورة اليوم أكملت 16 شهرا، وبالتالي أنا أفكر كان لابد من تعيين الولاة المدنيين ليؤدوا دورهم في الفترة المقبلة، وأعتقد ان التخوف من رفض بعض الولاة مقدور عليها، صحيح انه حراك سياسي وتمرين ديمقراطي وتعلم، ونحن في بداية خط سيرنا لبناء الديمقراطية في السودان، أكيد سيكون هناك معارضون ولكن الأمر في النهاية يعتمد على مهارة الوالي وعلى امكانياته في التصدي لهموم الولاية وتجرده وأمانته ونزاهته.

أيضا كل هذه المشاكل لو نظرت لها بتمعن تجد انها مشاكل خدمية وبعدها تتطور إلى نزاعات ثم إلى حروب قبلية، وبالتالي لابد للوالي ان يبذل قصارى جهده في خدمات التعليم والصحة والتي يمكنه انجازها من امكانيات ولايته الاقتصادية، ويتبقى دوره في خلق مشاريع للطرق والكهرباء وهذه تحتاج دعم المركز وسيجد عندها كل الدعم منا.

*العلاقة مع الولايات المتحدة بعد تعيين سفير جديد للسودان في واشنطن كيف تنظر لها بالإجمال؟

**علاقتنا مع أمريكا كل يوم تسير إلى الأحسن. صحيح ان الولايات المتحدة لديها مؤسسات، لكن كل المؤشرات تشير إلى ان السودان سيتم رفعه من لائحة الإرهاب قريبا جدا، وبالنسبة للتسهيلات المالية والحظر القائم تسير الأمور كل يوم من أحسن إلى أحسن، وكون الولايات المتحدة تطور علاقتها مع السودان هذه نقطة تحول كبرى ونحن ليس لنا عداء مع أمريكا وخلال فترتنا في الحكومة الانتقالية نسعى لعلاقات جيدة مع كل العالم بالشكل الذي يحفظ مصالح السودان.

نقترب من علاقة طبيعية مع الولايات المتحدة وفي وقت قريب جدا سترفع العقوبات بالذات مع وصول سفيرنا الجديد لواشنطن الذي ستتاح له كل القنوات الخاصة للاتصال بالإدارة الأمريكية في كل مستوياتها، وهو رجل مميز ومهني، جلست معه كثيرا ووجدت انه صاحب امكانات عالية ومؤكد سينجز ملفاته بسرعة عالية والدفع بعلاقتنا الثنائية إلى الامام.

*هل من المحتمل ان ترسل الولايات المتحدة سفيرا لها بالمقابل؟

**هذا هو ما طالبنا به. ومرحبا به متى تم تسميته ومتى ما وصل للخرطوم لانه سيساعد في تطبيع العلاقات بشكل كامل. وبالمناسبة علاقتنا مع أمريكا ومع كل دول العالم ستأخذ منحى إيجابيا لان التغيير الذي جرى في السودان أرسل رسائل لكل أنحاء العالم ان هذه الثورة التي أنجزها الشعب السوداني هي ثورة حرية وتنشد الديمقراطية والتحول السلس ونحن الآن نسير في الخط الصحيح ونسال الله التوفيق.

*كيف تقيمون العلاقة بين المدنيين والعسكريين في ظل دعوات الإصلاح السياسي خاصة بعد التعديل الوزاري الأخير؟

**نحن شركاء في السودان في المقام الأول كمواطنين سودانيين، كما ان الوثيقة الدستورية كانت بين المكون العسكري والمكون المدني في الحرية والتغيير وهي التي وضعت الإطار لدستوري لحكم السودان، وما تم الآن هو تقدم كبير جدا متمثل في تكوين هياكل الحكم التي تمزج بين المكونين العسكري والمدني وهما يعملان في تنسيق وتجانس كامل طيلة الفترة الماضية، والدليل أننا لم نختلف في أي قرار بل لم نحتج التصويت على أي قرار إلى اليوم وظلت القرارات توافقية على الدوام وهذا دليل نجاح.

وكذلك الأخوة في مجلس الوزراء أدوا مهامهم بصورة مرضية والأمور تسير بشكل ممتاز ومسألة إحلال وإبدال الوزراء طبعا هي شأن خاص لرئيس الوزراء لانه هو المسؤول الأول عن العمل التنفيذي وهو من حقه التقييم حتى لا يتحمل مسؤولية قصور وزير، وحقيقة الشعب صبر كثيرا ويحتاج انجازات ويحتاج شيئا ملموسا بالذات المسائل المتعلقة بمعاش الناس وضروريات الحياة وبالتالي الناس دائما يستعجلون وهذا لا يعني ان الوزراء لم يعملوا الذي عليهم، لكن الشعب أيضا يحتاج عملا أكبر.

الأمر الثاني متعلق بتعيين الولاة، أعتبره عملا طيبا واظهر ارتياحا وسط الشعب السوداني. صحيح ان بعض المواطنين يمكن أن يناهضوه، لكن دائما هناك ناس ضد أي تغيير أو تقدم، لكن طالما نحن في جو ديمقراطي ولديك حق التعبير يمكن ان تعبر لكن لا تستخدم العنف، وسنعمل جادين لإكمال المجلس التشريعي والذي عند تعينه سيرى كل إنسان نفسه وصورته في السودان الجديد.

*لكن المكون التشريعي تأخر هو الآخر؟

**نحن توافقنا على قضايا ونقاط كثيرة جدا حوله، وتوقيع اتفاق السلام سيكون فاتحة كبيرة جدا في تشكيل المجلس وبعدها الناس ستمارس حياتها الطبيعية وسيكون درسا كبيرا نقدمه للعالم أننا استطعنا في هذه الفترة ان نتوافق ونكون كل أضلع الحكومة الانتقالية. لكن علينا ان نسعى لعمل أكبر من هياكل الحكم، والأحزاب نفسها تحتاج لتجهيز نفسها وترجع لقواعدها وتفتح دورها وتعقد ندواتها، وفي نفس اللحظة يجب تكوين مفوضية الانتخابات وتحضير السجل الانتخابي وتقسيم الدوائر بحيث اننا بعد نهاية الفترة الانتقالية بسلام، نسلم البلد إلى حكومة مدنية توفر استدامة الممارسة الديمقراطية في السودان للأبد.

*هناك نقاش وجدل حول كتابة الدستور، وأنت تقدمت برؤية خاصة في ملتقى جامعه الخرطوم، فيما رأى البعض ان تتم كتابة الدستور في السنة الثالثة قبل نهاية الفترة الانتقالية، هناك من يرى ان يحدث ذلك بعدها، كيف ترى هذا الجدل.

**هناك خلط بين كتابة الدستور وصناعة الدستور وأنا في المؤتمر تحدثت عن صناعة الدستور والتي بها أكثر من محور، ومثل هذه الورش التي عقدتها جامعة الخرطوم أمر جيد، لكن ما يتم في هذه الورش لا يكفي، ولكي تكتمل الصناعة لابد من تنزيل هذه النقاشات على أرض الواقع عبر التوعية ومشاركة كل مواطن، وما يخرج منهم يصعد إلى أعلى حتى تتم كتابة الدستور من اسفل إلى أعلى.

ولكن حكاية أننا ننتظر ثلاث سنوات وفي نهايتها نكتب دستورا اعتبر انها مسألة طويلة وغير منطقية، لأن عمر الشعوب يقاس بالثانية ونحن الآن بدون دستور ولن تمضي الأمور بسلاسة نحو نظام ديمقراطي مستدام.

وفي تجارب دول كثيرة جدا حصلت فيها نفس هذه الاشكالات من تناحر وتنازع وموت ولكن بدأت وبسرعة جدا بتطبيق العدالة الانتقالية وأسست للدستور وانطلقت بسرعة جدا، ونحن يجب ان لا نحجم أنفسنا بثلاث سنوات، وهناك تجارب يمكن ان يتم نقلها وهناك مبادئ أساسيىة عامة مثل كفالة الحرية والممارسة الديمقراطية، ولكن دعونا نبدأ في تجهيز الصناعة وهي عملية معقدة وطويلة جدا تبدأ بنشر كل المراحل حتى يعرفها الناس وبعدها يمكن ان نستمزج آرائهم في صياغة المبادئ.

*هناك من يرى ان المؤتمر الدستوري يتجمع 50 أو 100 شخص ويقومون بكتابة الدستور بينما أرى ان لديك رؤية مختلفة من سياق حديثك؟

**أنت لا يمكن ترى السودان كله في المؤتمر الدستوري، لذا يجب ان نبني ثقافة الدستور وأنت ان لم ترى نفسك في الدستور لن تدافع عنه إذا لم تكن مشاركا فيه، لذا يجب علينا استصحاب آراء المواطنين من البداية وفي النهاية الذين يناقشونه هم أناس معينون، ومن يصيغون المواد سيكونون أقل منهم بالطبع، لكن من البداية يجب أن نشرك كل الشعب ليعرف قيمة الدستور وهل هو مفيد أم غير ذلك وماذا نعني به وما يمثله في حفظ الحقوق، وهذا عمل كبير يجب أن يبدأ من الآن. البعض كان لديهم آراء مختلفة في ملتقى جامعة الخرطوم وهي آراء أحترمها لكن أختلف معها، لكن لا وقت لأن ننتظر ونكتب الدستور بعد ثلاث سنوات، البلد لن ينتظر وكلما سرعنا في وضع الإطار الذي يقودنا إلى إطار ديمقراطي وانتقال سلس وسلمي للسلطة هو الأفضل لنا. صحيح أننا أيضا لدينا حروب وسنستصحب معنا اتفاقيات السلام وتضاف، بالمناسبة أنت إذا وضعت المبادئ العامة بشكل جيد يمكن لأصحاب الاتفاقات أن يقولوا لك لا نريد إضافة، لأنهم وجدوا ما يصبون إليه في الدستور، من الذي يدري، لذا كلما أسرعنا فيه فهو أفيد لبلدنا وللاستقرار واستدامة الديمقراطية.

*القوات المسلحة ما دورها بعد الفترة الانتقالية في ظل التخوفات من الانقلابات؟

**هي انحازت أولا للشعب السوداني. وعليها ان تحفظ دماء الشعب السوداني وأي دولة في العالم مؤسساتها تدار بسياسة قوى الدولة الشاملة التي تتمثل في السياسي والاقتصادي والدفاعي، ونظام الحكم الديمقراطي يحتاج لهذه الثلاث قوى ليكون منها مجلس الأمن والدفاع الذي يخطط وينفذ سياسة التأمين والحماية للثورة والحدود وحراسة الديمقراطية، والدستور نفسه ينظم عمل القوات المسلحة ويحدد واجبها وهي بدورها تحمي النظام الديمقراطي والدستور.

أما الانقلابات هذه عندما تنظر لها تجد ان القوات المسلحة مثلها مثل وزارة الزراعة والخارجية في العموم لكن لأن عندها القوى تستخدمها بايعاز من أحد مكونات الشعب، والانقلابات قد يكون أساسها اثنيا أو جهويا أو حزبيا لكن القوات المسلحة بدون أي من هذه الحواضن لا تعمل انقلابا بمفردها، وبالتالي يجب ان نضع فقرة واضحة في الدستور المقبل تبعد وتجرم عمل الأحزاب داخل القوات المسلحة، لأن وجودها يتسبب في الانقلابات، والجيش به قانون واضح يصنف الانقلاب جريمة كبرى والآن القانون الذي نعمل به والمجاز يجرم الانقلاب وبالتالي نحن نسعى عبر الدستور النابع من الشعب لتنظيم دور كل من الجيش والأحزاب ويعرف الجميع حدوده، لأن هذا هو من يحفظ الديمقراطية في السودان.

*أين سيكون ابراهيم جابر بعد نهاية الفترة الانتقالية؟

**ابراهيم بعد الفترة الانتقالية، سنكون أكملنا دورنا وأكون سعيدا جدا أن أرى السودان حرا ديمقراطيا ومحكوما بنظام مدني حافظ لكل الحقوق والواجبات ومتقدم ومزدهر وسأكون سعيدا وأنا أرى ذلك وأنا على كرسي القماش أمام منزلي.